أطفال ونساء لم يحالفهم الحظ بالعودة لمنازلهم رغم مرور أكثر من 14 شهرًا على إعلان رئيس الحكومة العراقية الأسبق حيدر العبادي نهاية الحرب على داعش في العراق؛ ليكونوا ضحية للغرق في مياه السيول التي ضربت مخيمات النازحين جنوب الموصل وشمال صلاح الدين.
مياه الأمطار والسيول كانت أسرع من الجهود الحكومية الواعدة لحل أزمة النازحين في العراق ليفقد 7 منهم حياته وتغرق أكثر من 1500 خيمة في محافطة نينوى فقط، فيما تشرد الآلاف وعدد غير معلوم مفقود من النازحين في مخيمات الشرقاط وحمام العليل والقيارة.
حمام العليل والقيارة والشرقاط مناطق وجود مخيمات النازحين التي ضربتها السيول
ترقيع حكومي بلا حلول جذرية
في الاجتماع الطارئ لخلية إدارة الأزمات المدنية لمعالجة آثار السيول وإغاثة المواطنين المتضررين، أصدر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي بيانًا عن الإجراءات المزمع تنفيذها بشكل عاجل وتتضمن النقاط التالية:
ثانيًا: إصلاح وزارة الإعمار والإسكان والبلديات خطوط أنابيب المياه والمحطات المتضررة فورًا.
ثالثًا: تتولى وزارة الهجرة والمهجرين تأمين الأعداد الكافية من الخيم والمستلزمات الإغاثية والإيوائية والمساعدات الغذائية والأغطية للمخيمات بالتعاون والتنسيق مع وزارة التجارة وجمعية الهلال الأحمر العراقية والمنظمات الدولية الداعمة.
رابعًا: تأمين وصول الإمدادات الإغاثية من خلال تسهيل عمليات وصولها إلى المناطق المتضررة.
خامسًا: تأمين المتطلبات الفورية لمديرية الدفاع المدني في وزارة الداخلية وبشكل خاص الزوارق والنجادات وغيرها وتتولى وزارة المالية تمويل ذلك فورًا.
سادسًا: مباشرة اللجان الفرعية لتعويض المتضررين في المحافظات بتوثيق الأضرار الخاصة بالممتلكات الشخصية والوحدات السكنية.
لم يتطرق غالبية المعلقين على الأحداث من الشخصيات الحكومية الرسمية إلى حل جذر الأزمة الحاليّة وهي وجود مخيمات في العراء بها الآلاف من العراقيين دون عودة النازحين لمنازلهم بعد عام ونيف من انتهاء الحرب، وغياب المشاريع الإروائية والسدود التي تستغل هذه الأمطار وتحولها لمخزون إستراتيجي
فيما ثمّن رئيس الجمهورية عبر صفحته على تويتر الجهود التي تقوم بها الحكومة العراقية في محاولة تطويق وعلاج الأزمة وغرّد قائلا:
كما علق الأمين العام لعصائب أهل الحق (أحد أكبر مكونات الحشد الشعبي) على الأحداث بتغريدة تدعو القوات العراقية للتدخل لتقديم المساعدة للمتضررين.. وأضاف في تغريدته المنشورة على تويتر:
فيما لم يتطرق غالبية المعلقين على الأحداث من الشخصيات الحكومية الرسمية إلى حل جذر الأزمة الحاليّة وهي وجود مخيمات في العراء بها الآلاف من العراقيين دون عودة النازحين لمنازلهم بعد عام ونيف من انتهاء الحرب، وغياب المشاريع الإروائية والسدود التي تستغل هذه الأمطار وتحولها لمخزون إستراتيجي ينقذ العراق من الجفاف في الصيف ويمنع حدوث سيول وفيضانات كما يحدث الآن.
لماذا لم يعد النازحون لمنازلهم رغم نهاية الحرب؟
رغم أن السبب الأساسي لوجود المخيمات ووجود النازحين فيها قد انتهى منذ فترة ليست بالقصيرة في العراق، لكن أسباب أخرى تمنع انتهاء ملف النازحين وعودتهم لمنازلهم، ولفهم الأسباب علينا تقسيم النازحين الموجودين في المخيمات اليوم لثلاثة أقسام رئيسية:
أولاً: أصحاب المنازل المدمرة: وهذه المجموعة الساكنة في المخيمات بسبب فقدانها لمنازلها بشكل كامل ولا تمتلك سيولة إعادة إعمار المنزل أو مصدر رزق لدفع بدل الإيجار ولعدم وجود أي تعويضات حكومية صرفت لهم، فإنهم قابعون في المخيمات كحل مفروض عليهم بانتظار مبادرات إعادة الإعمار، أو إطلاق الحكومة للتعويضات ليتمكنوا من العودة لمنازلهم.
المنازل المدمرة في الموصل القديمة نتيجة الحرب على داعش
ثانيًا: الممنوعون من العودة: وهم من مناطق محددة مثل سنجار وتلعفر وبعض المناطق التي يمنع عودة نازحيها إما لأن النازحين من عشائر معينة أو طائفة وقومية محددة وفق مشاكل اجتماعية نتيجة ممارسات داعش وكرد فعل عليها منعت هذه الشريحة لمناطقها، ولا يمكن حل الأزمة دون مصالحة اجتماعية يتم إعادة النازحين خلالها ومحاسبة المشاركين بأي جرم في فترة حكم داعش ليتم خلق استقرار اجتماعي يضمن تعايشًا سلميًا في تلك المناطق المنكوبة.
ثالثًا: عوائل مقاتلي داعش: وهم العوائل التي غالبًا ما تكون من زوجات وأطفال مقاتلي تنظيم داعش الذين قتلوا في المعارك أو المعتقلين في سجون الحكومة العراقية الذين يفترض أن يخضعوا لبرنامج إعادة تأهيل ودمج ومحاكمة من يثبت عليه المشاركة في عمل إجرامي لأجل نزع فتيل إعادة إنتاجهم واستخدامهم مرة ثانية من التنظيمات المتطرفة.
هذه الشرائح الثلاثة الأساسية المكونة لمخيمات النزوح وتركهم في هذه الظروف الصعبة سيخلق حالة من الحقد الاجتماعية والقابلية للتطرف التي بالنتيجة ستكون بيئة خصبة لإعادة إنتاج داعش أو نسخ محدثة منها من جديد.
في ظل الغياب التام لأي خطط استباقية للحكومة العراقية لإنقاذ مواطنيها سنستمر بالغرق إما بالسيول والأمطار أو بالكوارث الاجتماعية المترتبة عن إهمال شرائح من العراقيين ومعاملتهم بمنظور غير إنساني، للأسف فهمها البدوي قديمًا عندما كان يحفر خندقًا صغيرًا حول خيمته لمنع دخول الماء إليها في حال مباغتته بالأمطار فمتى يفهم من بيده القرار ويسوعب أن”الما يونِّي يْغَرَقْ”؟