يقود جيمس جيفري المباحثات الجديدة مع تركيا بشأن الترتيبات الأمريكية المتعلقة بشمال سوريا سواء في منبج أم إدلب أم مناطق شرق الفرات، وقد احتوت تلميحاته وتصريحاته على التعبير عن الاستياء من مسار أستانة الذي يضم تركيا وروسيا وإيران واستطاع جذب ألمانيا وفرنسا إلى قمة في إسطنبول وهما من مسار جنيف المتعثر منذ وقت طويل، ودعا جيفري في أحد تصريحاته من جهة إلى إنهاء مسار أستانة في الوقت الذي تدعم واشنطن وحدات الحماية الكردية شرق سوريا وهو ما استدعى ردًا روسيًا وتركيًا سريعًا.
ردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على تصريحات جيفري، واصفة إياها بـ”غير المهنية وغير البناءة”، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تخفي ألا مصلحة لها في الجهود التي تبذلها روسيا لتسوية الأزمة السورية، كما أن وزارة الدفاع الروسية انضمت لسلسلة التصريحات، حيث صرح رئيس الأركان الروسي أن واشنطن تسعى لإنشاء كيان كردي شمال سوريا.
ألمح جيفري إلى تركيا أن تكف عن الحديث عن الوجود الأمريكي شرق الفرات والدعم الذي تقدمه واشنطن لقوات وحدات الحماية هناك عبر نقاط المراقبة التي تقوم بإنشائها حاليًّا مقابل عدم تدخل واشنطن في إدلب، ولم تتجاوب أنقرة مع هذه التلميحات التي تدعو إلى المقايضة
أما وزارة الخارجية التركية فقد جاء ردها عبر وزيرها، حيث قال تشاووش أوغلو: “تصريحات جيفري عن مسار أستانة خذلها التوفيق، ولا أعتقد أنه عبّر عن رأيه الشخصي”، وهو موقف يدل أن تركيا متزمتة في هذا الموضوع وترفض أي تساهل فيه، وكذلك الحال فقد عبر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في لقاء له مع جيفري بأنقرة عن موقف مشابه وكان صريحًا بخصوص رفض إنشاء نقاط مراقبة شرق الفرات واعتبرها لحماية وحدات الحماية وحزب العمال من تركيا.
أما التلميح، فقد ألمح جيفري إلى تركيا أن تكف عن الحديث عن الوجود الأمريكي شرق الفرات والدعم الذي تقدمه واشنطن لقوات وحدات الحماية هناك عبر نقاط المراقبة التي تقوم بإنشائها حاليًّا مقابل عدم تدخل واشنطن في إدلب، ولم تتجاوب أنقرة مع هذه التلميحات التي تدعو إلى المقايضة، ووفقًا لمسؤول تركي لم يعلن اسمه لصحيفة ملليت التركية فإن أنقرة أوصلت رسالتين لجيفري: الأولى لا تحبطوا مسار أستانة واتفاق إدلب والثانية توقفوا عن دعم وحدات الحماية شرق الفرات، وتتعدى تصريحاته ورسائله تركيا إلى روسيا وإيران أيضًا، فهو من المعروفين بتحريضهم على روسيا وإيران.
جيمس جيفري هو دبلوماسي أمريكي كبير وخبير في القضايا الإستراتيجية بمناطق الشرق الأوسط والبلقان وألمانيا، وهو المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا وله خبرة كبيرة بالمنطقة، إضافة إلى خبرته العلمية والبحثية فهو زميل متميز في معهد واشنطن حيث يتمحور عمله حول الإستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط مع تركيز خاص على تركيا والعراق وإيران، وقد شغل مجموعة من المناصب الرفيعة المقام في العاصمة واشنطن وفي الخارج، من أبرزها عمله كسفير في أنقرة وبغداد، كما تولّى منصب مساعد الرئيس الأمريكي ونائب مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش، كما أنه ضابط سابق في سلاح المشاة الأمريكي وقد خدم في ألمانيا وفيتنام بين عامي 1969 و1976.
ولم يقتصر الأمر على التصريحات المتبادلة بين تركيا ووروسيا والولايات المتحدة، فقد انتشرت أنباء أن روسيا نشرت منظومة الدفاع الجوي “S-300” التي قدمتها إلى النظام السوري، في دير الزور شرق سوريا، وذلك بحسب ما ذكر موقع “ديبكا” الإسرائيلي، حيث نقل الموقع عن مصادر عسكرية يوم الإثنين 10 من ديسمبر/كانون الأول، أن وزارة الدفاع الروسية أمرت بنقل كتيبة من الصواريخ المضادة للطائرات مع مشغلين روسيين من منطقة مصياف غربي حماة إلى دير الزور، كما أشار الموقع إلى أن الكتيبة مجهزة بثماني قاذفات، وتضم ما بين 50 إلى 70 صاروخًا.
أن التحركات الأمريكية شرق الفرات التي تستهدف روسيا وإيران بشكل مباشر وتركيا على المدى البعيد بدأت أيضًا في إنتاج ردود فعل عملية مثل تحرك القوات أو المعدات القتالية على الأرض وهو مسار قد ينجم عنه مناوشات عسكرية بين موسكو وواشنطن، ولكن الأرجح هو بدء مناوشات بين الأطراف التي تدعمها واشنطن والأطراف التي تدعمها إيران
وتعد هذه المرة الأولى التي تنشئ فيها روسيا قواعد منتظمة شرق الفرات، ويعتقد أن هذه الخطوة ستشعل التوتر في ظل وجود القوات الأمريكية على مقربة في قاعدة التنف، ومن جانبها أيضًا عززت إيران وجودها العسكري غرب نهر الفرات في الميادين والبوكمال ودير الزور.
يبدو أن تصريحات جيفري وتلميحاته أشعلت جملة من ردود الفعل الغاضبة من تركيا وروسيا، كما أن التحركات الأمريكية شرق الفرات التي تستهدف روسيا وإيران بشكل مباشر وتركيا على المدى البعيد بدأت أيضًا في إنتاج ردود فعل عملية مثل تحرك القوات أو المعدات القتالية على الأرض وهو مسار قد ينجم عنه مناوشات عسكرية بين موسكو وواشنطن، ولكن الأرجح هو بدء مناوشات بين الأطراف التي تدعمها واشنطن والأطراف التي تدعمها إيران.
كما أن تركيا هي الأخرى من جانبها أعلنت أكثر من مرة أنها مستعدة لعملية ضد قوات وحدات الحماية في شرق الفرات في بيان صادر عن المجلس الذي اجتمع في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم 27 من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حيث أوضح البيان أنّ تركيا لن تتجاهل الممارسات الجائرة لمنظمة “PKK / YPG” الإرهابية ضد سكان المناطق الواقعة تحت سيطرتها وإجبارها السكان المحليين على الهجرة في إطار محاولاتها لإحداث تغيير ديموغرافي، ولن تتغاضى عن محاولات فرض أمر واقع في سوريا وأن تركيا تؤكّد حقها في استخدام الدفاع المشروع.
نحن أمام نقطة اختناق جديدة في سوريا وهناك حالة من العض على الأصابع من خلال التلويح بالخيارات، وتبدو روسيا وتركيا وإيران أكثر تضامنا أمام التدخل الأمريكي الجديد في سوريا،
يوميًا يزداد التعقيد، فواشنطن لا تريد لمسار أستانة أن ينجح دون فرض رؤيتها وروسيا لا تريد أن تطبق واشنطن رؤيتها في سوريا منعًا لتكرار سيناريو العراق وهو ما صرحت به واشنطن، كما أن وجود إيران يعقد المشكلة ولكن التعقيد الأكبر هو الذي تواجهه تركيا التي لا تريد أن تدخل في أزمة مع الولايات المتحدة في ظل الصعوبات التي تواجهها، فأي توتر شمال شرق سوريا سيكون انعكاسه الأكبر على تركيا، وفي نفس الوقت لا تريد أنقرة أن تبدي أي تساهل في موضوع إنشاء كيان لوحدات الحماية الكردية شمال سوريا.
نحن أمام نقطة اختناق جديدة في سوريا وهناك حالة من العض على الأصابع من خلال التلويح بالخيارات، وتبدو روسيا وتركيا وإيران أكثر تضامنا أمام التدخل الأمريكي الجديد في سوريا، ويبقى التساؤل قائمًا عن كيفية تنفيس هذه الحالة بالدبلوماسية أم بالحرب أم بهما معًا؟!
*باحث في مركز سيتا للدراسات بأنقرة