عندما نشاهد ونسمع عن أن معركة بالأسلحة الثقيلة تحدث بين عشيرتين في بغداد، للسيطرة على متنزه حكومي، وعندما تقوم عشيرة بتعليق لافتة مكتوب عليها “مطلوب عشائرياً” على موقع إحدى شركات النفط تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية.. وعندما تقرر عشيرة أن تحتل مدينة الطب لتقيم فيها مهرجاناً عشائرياً من اجل تقديم ” العراضة ” لشيخ العشيرة الراقد في المستشفى، وبمشاركة وترحيب من مدير عام دائرة مدينة الطب، وعندما يلجأ النائب الأول لرئيس مجلس النواب لقانون “الكوامة العشائرية”، عليك عزيزي المواطن أن تدرك أنك لا تعيش تحت ظل دولة لها مؤسسات وأجهزة أمنية، وإنما في ظل قبائل وجِهات عشائرية، تجد أن علمها وقانونها أهم وأبقى من علم وقانون الدولة . عندما بدأنا نقرأ في الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ونشاهد في الفضائيات عناوين “مطلوب عشائرياً”، و”كوامة عشائرية”، فإننا أيقنّا جيداً أن الخراب قد حلّ، وعندما أصر البرلمان على إصدار قانون العشائر بدلاً من قوانين لتطوير التعليم والضمان الصحي.
دعونا لا نبحث عن مبررات لما يجري من خراب وفشل وفقر وبطالة وسرقة للثروات، ماذا يعني لساكني المنطقة الخضراء أن أكثر من نصف الشعب يعانون العوز وغياب الخدمات؟ لا شيء مهماً مادام هناك في البرلمان من يعتقد أن العالم يتآمر على التجربة العراقية العظيمة ! ماذا تعني الديمقراطية في بلد يلجأ كل نائب فيه إلى أهله وعشيرته وأقربائه، لكنه في الفضائيات يصدح بأفخم العبارات عن الدولة المدنية والمواطنة؟
في كل يوم يسيء ساستنا الى الديمقراطية، عندما يعتقدون أنها تعني بناء دولة القبائل والأحزاب المتصارعة والطوائف المتقاتلة.
الجزء الأكبر من أخبار هذه البلاد مضحك، وكان أشدّها سخريةً هو الخبر الذي طالعتنا به وكالات الأنباء عن طلب جمال الكربولي أن يتولّى منصباً أمنياً رفيعاً لأنه حسب قوله، وحده من يستطيع كشف أسرار حرائق محاصيل الحنطة. أعرف القليل جداً عن “عبقرية” الكربولي الأمنية.. لكنني أعرف أن الرجل له مواقف مشهودة و”مجرَّبة” أيام جمعية الهلال الأحمر العراقية التي تحولت أموالها إلى أرصدة في بنوك عمّان .
عندما تُقسِّم البلدان إلى قبائل وطوائف، فإنك بالتاكيد تصرّ على أنّ هذه البلاد ليست دولة مؤسسات، ولا وطناً، لكن ماذا عن الذين يريدون أن يفرضوا قناعاتهم الطائفية على شعب بأكمله؟ الجواب ربما نجده عند مدير مدينة الطب الذي كان مرحبا باجراء اول عملية ” عراضة ” ناجحة في مستشفاه .
أعرف القليل جداً عن السادة الذين يصرّون على أن يحوّلوا العراق الى دولة طائفية، لأن معرفتهم لا تفيد في شيء، لكني أعرف جيداً أنّ العراق تحوّل من دولة مؤسسات إلى دولة تحتفل بقانون العشائر .
*المقال منشور في جريدة المدى العدد(4448) بتاريخ 12/6/2019 والموقع غير مسؤول عمّا ورد في مضمونه..