بارزاني… “الولاية الثالثة” من خلال “الدولة الكردية“
باسم حسين الزيدي/ شبكة النبأ ( 17 أيار 2015 )
لم تنتهي بعد تداعيات زيارة رئيس اقليم كردستان العراق “مسعود باراني” الى الولايات المتحدة الامريكية الاخيرة، والتي اطلق خلالها جملة من التصريحات “النارية” المعتادة منه بخصوص علاقة الاقليم بالمركز وسير كردستان نحو اقامة الدولة المفترضة في المستقبل القريب، واللافت ان هذه الدعوات استقبلت “بفتور” ملحوظ من قبل الولايات المتحدة الامريكية، بعد ان اكد الرئيس الامريكي “اوباما” ونائبه “جو بايدن” على “التزام الولايات المتحدة على ضوء الاتفاقية الاستراتيجية مع عراق فيدرالي ديمقراطي موحد، كما هو مثبت في الدستور العراقي”، بحسب ما جاء في بيان البيت الابيض عقب انتهاء الاجتماع الذي جمعهما برئيس الاقليم.
كما اكتفت الحكومة المركزية العراقية ببيان مقتضب صدر من مكتب رئيس الوزراء “حيدر العبادي”، دعا فيه الى مراجعة فقرات الدستور الذي صوت عليه الاقليم بكلمة “نعم”، والذي يضمن بقاء الاقاليم والحكومات المحلية ضمن “دولة اتحادية”، حيث اشار البيان بأن رؤية الحكومة الاتحادية بهكذا دعوات “تعتمد الدستور كأساس في تنظيم العلاقة بين حكومة الاقليم ومع الحكومات المحلية في المحافظات، والدستور يؤشر بشكل واضح بان العراق بلد اتحادي فيدرالي ديمقراطي”، ويبدو ان التقليل من اهمية تصريحات “البارزاني” الاخيرة جاءت على خلفية جملة من التغيرات الداخلية والاقليمية والدولية التي لا تتحمل سيناريو الانفصال في الوقت الراهن، رغم وجود اطراف اخرى تؤيد مثل هذه التوجهات (اسرائيل وهنغاريا)، الا انها قد لا تتمتع بثقل دولي يؤهلها بتغيير المعادلة القائمة حاليا.
ربما يعلم “بارزاني” اكثر من غيره المعادلة الاقليمية والدولية القائمة حاليا، والتي تمنع اعلان اقامة دولة كردية مستقلة عن العراق، لكن هذا لا يمنع من قيام رئيس الاقليم بمقدمات الانفصال المستقبلي والتي حددها من خلال حديثه مع الجالية الكردية في ولاية “فرجينيا” الأمريكية، والتي يمكن تحديدها بالنقاط التالية:
- تشكيل جيش وفق الموصفات العالمية، وفي سبيل ذلك يسعى بارزاني بجلب المزيد من “السلاح الثقيل” بعد ان امتنعت اغلب الدول تجهيز قوات “البشمركة” الكردية بالسلاح الثقيل لعدة اعتبارات، ومع افتقار الاقليم الى السلاح الثقيل يبقى بارزاني في موقف عسكري ضعيف امام الحكومة الاتحادية.
- مواصلة قتال تنظيم “داعش” حتى النهاية، والتعاون مع الحكومة الاتحادية في تحرير الموصل، وهو ما يقنع الغرب بان الاقليم شريك اساسي في مكافحة الارهاب ويمكن الاعتماد علية في المستقبل، الامر الذي يعني المزيد من الدعم السياسي والامني.
- اشار ضمنا الى بقاء الاراضي التي سيطرت عليها قوات “البشمركة” بعد طرد تنظيم “داعش”، ضمن حكومة الاقليم، وامكانية ضمها مستقبلا الى الاقليم من خلال اجراء استفتاء شعبي، واكد في حديثه ان “المناطق الكردستانية الواقعة خارج إدارة الإقليم هي الآن في قبضة البشمركة”، واضاف “إجراء الاستفتاء في المناطق الواقعة خارج إدارة الإقليم”.
الولاية الثالثة للإقليم
في 19/اب من العام الحالي ستنتهي الولاية الثانية والاخيرة للسيد “مسعود بارزاني” كرئيس لإقليم كردستان العراق “بحسب المادة الثانية من القانون رقم 1 لسنة 2005 انتخابا مباشرا للفترة الواقعة بين 2009- 2013، وتم تمديدها لمدة سنتين بالاستناد الى القانون رقم 19 لسنة 2013 المعروف باسم قانون تمديد ولاية رئيس اقليم في 20/ اب/ 2013 لمرة واحدة غير قابلة للتجديد، وينتهي التمديد في 19/ اب /2015″، ومع ان الخلاف الكردي- الكردي امتد الى نفس الدستور الخاص بالإقليم والذي تأخر اقراره او المصادقة علية منذ عام 2003 وحتى اليوم، بسبب الخلاف الحزبي الكبير، فان مشاكل اخرى يمكن ان تضاف الى رئيس الاقليم “بارزاني” الذي لم يتبقى على انتهاء ولايته الاخيرة سوى اشهر قليلة، وان المزاج الحزبي العام في الاقليم يرفض التجديد لولاية ثالثة قد يسعى اليها “بارزاني” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني ، خصوصا من قبل “وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” وحركة “التغيير“.
الغريب ان هذا الموقف الذي يمر به “بارزاني” يشابه الموقف الذي مر به رئيس الوزراء السابق “نوري المالكي” وسعيه لتجديد فترته كرئيس للوزراء للمرة الثالثة، ومع ان الدستور العراقي لم يحدد في فقراته الدستورية مدة زمنية محددة (بخلاف دستور الاقليم)، الا ان “بارزاني” كان من اشد المعارضين لتجديد “المالكي” لفترة ثالثة، ومع ان تشابه المواقف لا يعني بالضرورة تشابه النتائج، الا ان التجديد لفترة ثالثة لرئيس اقليم كردستان تبدو مهمة صعبة للغاية، وبالتالي فان مطالب “بارزاني” في “دولة كردية” قد تفسر على انها احدى الوسائل التي يمكن استخدامها لإقناع الرأي العام الكردي بإعادة انتخابه من جديد كونه الشخص المناسب القادر على تحقيق طموح الانفصال وتحقيق حلم الدولة القومية.
وبرزت في الآونة الاخيرة مشكلة اخرى الى جانب المشاكل الداخلية في اقليم كردستان تمثلت في طرح مسألة (الاقليم داخل الاقليم)، بعد ان تبنى الحزب الديمقراطي الكردستاني واحزاب اخرى امكانية تشكيل اقليم “السليمانية”، التي تعتبر مركز قوة رئيس الحزب “جلال الطالباني”، ما اثار حفيظه واستنكار “مسعود بارزاني” معتبرا ان الامر “مؤامرة تقسيمية”، لكن هذا الامر اثار الكثير من التكهنات حول طبيعة العلاقة التي ستجمع الحزبين الرئيسين (الاتحاد الوطني والديمقراطي) في المستقبل، في ظل تبادل الاتهامات المبطنة بميل كل طرف الى جهة اقليمية مختلفة (تركيا وايران)، فضلا عن تاريخ الصراع الدامي الطويل بين الحزبين حول الحدود وتقاسم النفوذ والتي شهدها العقد الثامن والتاسع من القرن الماضي، اضافة الى عدم توحد رؤيتهما بشأن الانفصال عن المركز في الوقت الراهن، (سيما وان الخلاف حول تولي رئاسة الاقليم ما زال قائما حتى اليوم فكيف سيتحول الصراع في حال اعلان الانفصال؟)، وهو ما اشارت اليه رئيسة كتلة “الاتحاد الوطني الكردستاني” النيابية “الاء طالباني” بالقول ان “انفصال الكرد لن يكون دون موافقة الارادة العراقية” وأضافت “لدينا مشتركات كبيرة تجمعنا مع باقي الاطراف العراقية للعمل سوية ولكن اذا وصلنا الى طريق مسدود في يوم ما واردنا الانفصال فلا يكون انفصالا اختياريا وانما بموافقة الاطراف الاخرى كونه لا يتحقق بالقوة او عنوة ولابد من الجلوس بإرادتنا وليس الكرد ان يقرروا ذلك بمفردهم وانما تكون الحكومة الاتحادية موافقة على ذلك“.