لست معاصرا لحياة الفنان الكبير ناظم الغزالي( رحمه الله)، فعند وفاته في (يوم 21 تشرين الأول من عام 1963)، لم يكن عمري قد تجاوز الثلاث سنوات بعد، ولا أدّعي خبرةً بالموسيقى تؤهلني لتقييم الأصوات، ولكنّي متذوق للفنون الجميلة، والأنغام الأصيله، والغزالي قيثارة الفن الرفيع، ودوحة النغم الخالد، وأحسبُ أنّ كلماتي العفوية، تتسق مع تأثري وإعجابي بصوته الصادح الجميل، وحضوره الفني الخالد، وقد تكون نشأتي في بيئة بغدادية وشعبية في بغداد القديمة، إحدى العوامل الرئيسة التي ساهمت في تأثري بالمقام العراقي، وقرائه ومطربيه، وظهر ذلك جليا في السنوات الأولى من شبابي، حيث كنت أستمع إلى (محمّد القبانجي، ناظم الغزالي، يوسف عمر، عبد الرحمن خضر، صديقة الملاية) وغيرهم الكثير، ولفت نظري الفنان الكبير ناظم الغزالي بأغنياته العذبة، وإيقاعها المعاصر، وتابعته عبر التلفزيون، وكنت عندما أنظر إلي محياه الوديع، وأناقته النادرة، ووسامته النقية، التي تشبه ديمة السماء وصفائها، أشعر وكأنه يواسيني، بصوته الشجي، وأنغامه الملونه، وسمو ألحانه، التي تعانق الفن البغدادي الأصيل، كان يناجي بصوته الساحر العذب، دجلة القديس، والأزقّة القديمة، والشناشيل، وحناجر القصب، والحمائم البيض فوق منابر الذهب، كان صوتا من ذهب، ودوحة غنيّة بالفن والأنغام والطرب..
إستطاع الفنان الراحل الكبير ناظم الغزالي (رحمه الله)، التوليف بين الأصالة والتجديد، وقدم أغنيات خالدة، نقشت في ذاكرة الزمن، وفي أسماع وقلوب العراقيين والعرب جميعا، من ينسى ( يا أم العيون السود، وطالعه من بيت أبوها، فوك النخل، خايف عليها، عيرتني بالشيب، كلي يا حلو منين الله جابك) والكثير من الأغنيات والمقامات المترعة بالسحر وحلاوة الصوت واللحن، واللاتي أصبحن تراثا غنيا بقيم الفن الرفيع، والثقافة والرقي، كان الغزالي يهيم وجدا وإهتماما بالغناء والمقام العراقي، يحلّق بين بساتين الزهور، ليرتشف ما يستطيبه ويرتضيه، ليسوقه إلى الأسماع ، نغما عذبا يخلب الألباب، ويسحر القلوب، إنّه فنان عراقي قدير وملهم، تسلّق بجدارة المنجز الفني، أسمى ذرى الفن، وكان من أنظر الوجوه الفنيّة في عالم الأغنية العراقية والعربية المعاصرة، ويشاء الله جلّت قدرته أن ينطفأ هذا الصوت الخالد، وهو في أوج عطائه، ومجده الفني، وعنفوان شبابه، وكانت وفاته مأتما للأغنية العراقية والعربية المعاصرة والفن الأصيل، غاب ناظم الغزالي، وغابت معه الأنغام، التي كانت تورق مترنمة، صدّاحة على شفتيه، وفي مدارج حنجرته الساحرة، وصوته الصافي الرخيم، رحل بعد أن وهب الأغنية العراقية وهجها المتلألئ، ومنحها بعدا جديدا وخلّاقا، فاستحق بجدارة لقب سفير الأغنية العراقية، والنغم العبقري فوق مسارح الفن، فخورا بانتمائه العراقي، ساطعا برّاقا بين أبهى النجوم في العالم، رحم الله الفنان القدير ناظم الغالي والراحلين من فناني العراق سفراء ثقافتنا وتراثنا وفننا الأصيل…