هل المسلمون إسلاميون؟
الهجوم الأخير على مسابقة الرسوم المتحركة المتعلقة بالنبي محمد في دالاس والاقتراحات اللاحقة التي كتبها النقاد والسياسيون، بمن فيهم المشرع الهولندي خيرت فيلدرز بأن الإسلام يجب أن يكون محظوراً في الغرب، أثارت مجدداً السؤال المتكرر على مدى العقد الماضي: هل الإسلام يتوافق مع الغرب؟
إلا أن مثل هذا السؤال يرتكز على افتراض مضلل بشكل أساسي. فالإسلام لا يعني الإسلام السياسي، بل أن الإسلام هو الإيمان؛ والإسلام السياسي هو أيديولوجية متطرفة وعنيفة أحياناً وغير تاريخية تسعى إلى كسب شرعيتها عبر الإسلام وتركّز جهود التجنيد التي تقوم بها على المسلمين. ويهدف الإسلام السياسي إلى خلق نظام عالمي غير ليبرالي جديد يأخذ تبريره من الماضي المتخيّل والصارم من فترة الصحارى في القرن السابع الميلادي.
إن العلاقة بين الإسلام والإسلام السياسي هي أقرب إلى العلاقة بين الطبقة العاملة والشيوعية في الحرب الباردة. فقد حاولت الإيديولوجية الشيوعية استخلاص شرعيتها من الطبقة العاملة وسعت إلى التحدث باسمهم. ويحاول الإسلام السياسي أن يفعل الشيء نفسه. ومع ذلك، فبما أن الشيوعية لم تمثل الملايين من الطبقة العاملة من الرجال والنساء الذين لم يتعاطفون مع الشيوعيين، فإن الإسلام السياسي لا يمثل المسلمين في أيامنا هذه.
وتشمل المظاهر الحالية للإسلام مجموعة متنوعة من الحركات الإسلامية، مثل جماعة «الإخوان المسلمين»، و تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية». وعلى الرغم من أن هذه الجماعات تستخدم تكتيكات مختلفة، إلا أن ما يجمعها في الأساس هو أيديولوجية غير ليبرالية مشتركة لا تحترم القيم العالمية ولا تتبناها.
وفي أقصى نهاية الطيف الإسلامي السياسي، هناك الجهاديون الإسلاميون – مثل تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية» – الذين يستخدمون العنف لنشر رسالتهم وترويع السكان لحملهم على الخضوع. ويستخدم «داعش»، على سبيل المثال، الوحشية والهمجية لإجبار الملايين في سوريا والعراق على الخضوع إلى إيديولوجيته المشوّهة، وأسلوبه الشمولي للحكومة.
وعلى الجانب الآخر تتواجد جماعة «الإخوان المسلمين»، التي على الرغم من كونها غير عنيفة، إلا أنها لا تمتنع عن استخدام السلطة السياسية لفرض أيديولوجيتها الصارمة على الجماهير غير المستعدة لتقبّلها. فبعد انتخاب الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة «الإخوان المسلمين» في عام 2012، بدأت «الجماعة» حملة لفرض ايديولوجيتها المبنية على عدم المساواة على الشعب المصري. وتولًى «الإخوان» السيطرة على وسائل الإعلام والمحاكم وأشاروا إلى نواياهم المتعلقة بتنفيذ الشريعة الإسلامية. وأدّى ذلك إلى قيام تظاهرات حاشدة في معظم المدن الرئيسية في البلاد، كما ثار المصريون ضد ما اعتبروه على نحو محق بأنه الاستبداد الإسلامي السياسي الآخذ في التنامي.
وحتى الآن لا نعرف الجواب حول الكيفية التي ينبغي على الغرب أن يتفاعل مع الحركات الإسلامية السياسية الاستبدادية غير العنيفة. فالنموذج التونسي، على سبيل المثال، هو أمر مشجع. ففي أعقاب الثورة التونسية في عام 2011، حصل “حزب النهضة” – حركة المقاومة الاسلامية الرئيسية في البلاد – على أكثرية الأصوات في انتخابات “الجمعية التأسيسية” في البلاد. لكن الدستور التونسي العلماني، وكتل التصويت العلمانية القوية والنقابات وجماعات الضغط التجارية ساعدت الحزب على تجنب التدهور السريع الذي واجهه مرسي وجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر؛ وهكذا، تنحّى الحزب من الحكومة في كانون الثاني/يناير 2014.
إلا أن العكس من ذلك حدث في تركيا. فقد شهدت البلاد عشر سنوات من النمو الاقتصادي الهائل أثناء حكم «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي، الذي جاء إلى السلطة في عام 2002. وبقيامه بذلك، بنى الحزب قاعدة شعبية قوية. ومنذ ذلك الحين استغل شعبيته لتقويض الوسائل الديمقراطية المسؤولة عن تحقيق التوازن بين السلطات، بما فيها دستور البلاد العلماني، ووسائل الإعلام، والمحاكم وجماعات الضغط التجارية.
وإذا وضعنا هذا السؤال جانباً، هناك شئ واحد في هذا السياق وهو: أن الإسلاميين لا يمثلون الإسلام، بغض النظر إذا كان هؤلاء من «الإخوان» أو من تنظيم «الدولة الإسلامية». إن الخلط بين الإسلام والإسلام السياسي أثار خطاباً خطيراً مفاده أن غالبية المسلمين، الذين ليسوا إسلاميين، يتحملون العبء الأكبر. إن الادعاءات التهكّمية التي يأتي بها النقاد بأن الإسلام والمسلمين لهم عيوب بالفطرة، تشبه إلى حد كبير الرسائل المتعصبة المتطرفة التي ينشرها تنظيم «داعش» عن الديانتين اليهودية والمسيحية.
وتشكل مهاجمة الإسلام، وليس الإسلام السياسي، أمراً خطيراً، فهي تغذّي فقط فكرة “صراع الحضارات” التي تنادي بها جماعات مثل تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية» اللذان يستغلان مثل هذه الانقسامات. ومن خلال وصفنا لجميع المسلمين كإسلاميين، فإننا نمنح فقط مصداقية لنظرتهم الخاصة للعالم من خلال الإيحاء بأن الإسلاميين هم الممثلين الوحيدين للإسلام. ولا يمكن للغرب أن ينحدر الى مستواهم ولا ينبغي أن ينجر إليه.
كنت أود لو كان هناك مصطلحاً آخر للإشارة إلى عقيدة الإسلاميين، التي من شأنها أن تتجنب بعض من هذا الخلط. ولكن ليس هناك كلمة مناسبة. وفي غيابها يتعين علينا أن نحدد تعريفاً يشير إلى هذه العقيدة.
ليتخيل المرء ما الذي كان سيحدث خلال الحرب الباردة لو كان النقاد وصناع القرار قد أشاروا إلى أن جميع الناس من الطبقة العاملة كانوا شيوعيين، وأن الولايات المتحدة كانت قد استهدفت جميع الناس من الطبقة العاملة في مجتمعها. لحسن الحظ، إن ذلك لم يحدث. ولكن عوضاً عنه، عملت الولايات المتحدة مع الاشتراكيين الديمقراطيين، والاشتراكيين والنقابات التي تحترم الديمقراطية، وقامت بتوجيه غالبية الطبقة العاملة بعيداً عن الشيوعية. إن استهداف الإسلام ليس هو العلاج للإسلام السياسي.
سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.