فرحة العيد تتوضأ بحب الله وطاعته، وتحتفي مع المكبّرين في المساجد، بحلاوة الرضا والقبول والإيمان، وتوقظ فينا لوعة الحنين إلى الماضي، وذكريات الطفولة البريئة، وهي تنتظر شمس العيد، لتكشف عن وجهها المضيء، وتغزل بنورها ظفائر الفرحة لدى الصغار، وهم يحتفون بالملابس الجديدة، والعيديات، وحلاوة اللهو في (المراجيح) ودواليب الهواء، وزيارة الأقارب واللعب مع الأصدقاء..
ذكريات العيد عصيّة على الزمن، ولا يعتريها النسيان، عشناها صغارا، وذكرناها كهول، كانت وستبقى حتّى الأزل المختوم، حاضرة بفرحتها، بضجيج البراءة في ملاعبها، وصدى الأماني في أغانيها، ومن ينسى رائعة أم كلثوم (يا ليلة العيد آنستينا).. ذلك الصوتُ الصافي، المترع بالسحر والعذوبة، يكتسح الكيان، وينساق في شرايين الدم، حتّى يفضي إلى شغاف القلب، ليعلن حلول العيد، في رحاب البيوت الآمنة، عبر المذياع والتلفاز..
في ليلة العيد، ويوم عرفه، ترى الأمهات لا زلنّ منهمكات، في وضع اللمسات الأخيرة للتنظيف، والتزيين، وتحضير الملابس، والتفنن في صناعة (الكليجة) وحشوها بالجوز والمبروش والتمر مع الخفيفية وما أطيبها مع إستكان الشاي المهيّل، كل ذلك إستعدادا لصناعة الفرحة والسعادة، في وجوه ونفوس الأطفال والكبار، خلال أيام العيد…
أمّا الآباء فكانوا الخير والبركة والأمان، والمتكأ الراسخ المتين للعائلة، وما أن يحين موعد العيد، حتى يمتلأ الكيس المبارك بالعيديات، ومن كل الفئات ( الدرهم، والمئة فلس.. وغيرها) ويضعونها تحت المخدّة، وهي جاهزة للتوزيع على الأولاد والأحفاد، مع جرعة من الحنان تمنح العيد أفراحاً، وأنواراً.. وبهجة..
رحمهم الله جميعا، وبارك بعمر الأحياء منهم، وإن كان العيد قد تزامن وللعام الثاني مع استمرار الوباء، وقيود التباعد الإجتماعي، وحظر التجوال، وتراكم الهموم، إلا أنّهُ لم ولن يثنينا من تبادل رسائل التهنئة، والبطاقات الملونة، المعطرة بشذى الورود ورقتها ونقائها الآسِر، مع الأرحام والأصدقاء والأحباب، وسنحتفظ بعيدية الصغار، في القلوب قبل الجيوب، ونوصلها لهم على أجنحة المحبّة والنور والمسرّة، ولا ننسى الراحلين بالدعاء والتصدّق والرحمة، والفقراء بما تيسر من زكاة الفطر، والعون والمساعدة، حتى تكتمل الفرحة، يحدونا الأمل والتفاؤل بأن يكون القادم أفضل، وما أدراك لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.. ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾* ونقول للجميع عيدكم مبارك، وكل عام وأنتم بألف ألف خير ..