تحليل أولي لأحداث المقدادية.. بقلم ضياء الوكيل*

(هذه إجابات على أسئلة طرحتها مراسلة (إندبندنت) في بغداد حول أحداث المقدادية)

سؤال:كيف نفهم الأوضاع الأمنية في ديالى، وهل القوات الامنية عاجزة فعلا عن تأمين الوضع الامني ام ان السياسه تتدخل في خرق الأمن..؟؟

جواب.. كشفت الخروقات الأمنية الأخيرة في قضاء المقدادية أن الوضع الأمني في بعض مناطق محافظة ديالى (هش وقَلِق ومعقّد)، وقابل للاختراق الإرهابي، والاستدراج نحو العنف الطائفي، وأنّ القوّة الماسكة لقاطع المسؤولية ومسرح الأحداث فشلت في إحباط الهجوم الارهابي الأول الذي استهدف ناحية الرشاد وتسبب باستشهاد واصابة العديد من المدنيين الأبرياء، وأخفقت في اتخاذ التدابير الإحترازية لمنع الهجوم الارتدادي الذي استهدف قرية نهر الامام والقرى المجاورة وتسبب في سقوط عدد آخر من الشهداء ونزوح المئات من العائلات، وإذا كان الهجوم الأول (مباغتا ومدبّر) فأن الهجوم الثاني كان (متوقعا ومحتمل)، وكلاهما وجد الطريق سالكا نحو كسر الجدار الأمني والنصاب السلمي للمنطقة، وهذه نقطة مفصلية تثير سؤالا افتراضيا مهما (ألم يكن الوقت كافيا ما بين الهجومين لرفع درجة الاستعداد والجاهزية الأمنية لتطويق التداعيات المحتملة للحادث الأرهابي، ومنع تدهور الأوضاع نحو هاوية العنف والفتنة..؟؟).. سؤال مفتاحي يحتاج الى إجابة شافية قد تفكك جزءا من الغموض الذي يلف الأحداث، أمّا السياسة وتأثيرها في الوضع الأمني فأحيلك الى معادلة من الدرجة الأولى في صلب علوم الاستراتيجية الحديثة ونصّها( أن الحكمة السياسية هي أم الحكمة العسكرية)، فاذا غابت الحكمة السياسية فأن القوّة العسكرية لا تستطيع أن تنتج تأثيرا استراتيجيا يساوي وزنها العسكري..

سؤال: لماذا تشهد ديالى بين فترة وأخرى اضطرابات تؤدي بالغالب لتصاعد حدة العنف طائفي..؟؟

جواب.. ترتبط الاضطرابات والأحداث والخروقات المتكررة في ديالى  بعدة أسباب جعلتها على جدول أعمال الإهتمام والتنافس ما بين أصحاب المصالح والقوى المتصارعة والمتدافعة للسيطرة على المحافظة، ومن هذه الأسباب( موقعها الاستراتيجي الحدودي مع ايران ووجود العديد من المنافذ مع الجارة الشرقية، ووقوع ديالى على تخوم بغداد، وهي تحادد واسط وصلاح الدين والسليمانية إضافة للعاصمة)، وفيها مناطق محل اختلاف وتقاطع ما بين المركز والاقليم، وتركيبتها الاجتماعية والديمغرافية المتنوعة فهي تضم (العرب والكورد والتركمان والسنة والشيعة وأقليات أخرى)، والعلاقة فيما بينها تضررت نتيجة العمليات الارهابية التي استهدفت الجميع وتسببت بجروح غائرة في النسيج الاجتماعي وقيم الثقة والتعايش المشترك، كل ذلك فرض حالة من الاضطراب المحاط بالهدوء الحذر الذي لا يلبث أن يستقر حتّى يشتعل من جديد، وهناك من يستغل هذا الواقع المرير ويستثمر فيه لتحقيق مكاسب سياسية على حساب دماء الضحايا، وهذا ما لاحظناه في الأحداث الأخيرة..

سؤال: هل هناك فعلا في قرى واقضية ديالى مجاميع لخلايا نائمة، ام ان هذه الهجمات بعيدة عن بصمات داعش..؟؟  جواب.. قد يبدو هذا السؤال ملغوما وليس بريئا ولكنّي سأجيب عليه: في البدء هي ليست (خلايا نائمة) من وجهة نظري إنّما هي (خلايا كامنة)، وتلك تنشط عندما تجد زوايا ميتة ومناطق رخوة في الجدار الأمني، وداعش والارهاب أصبح ورقة مخابراتية يرتبط بأجندات دولية واقليمية، والعراق على خط التماس في الصراعات المحتدمة في المنطقة، وذلك يقتضي الإنتباه والحذر لاسقاط هذا الاحتمال أو مواجهة العواقب وهي خطيرة، لماذا؟؟ لأن هناك من يستثمر في هذه الورقة، ويدفع بالبلد نحو مربع دموي غادره العراق منذ سنوات طويلة، وهذا يحمّله ما لا يطيق، وبما يتجاوز قدرته على الإحتواء والإحتمال، ومما يشار اليه أن الغموض والتعتيم والتعاطي الاعلامي والسياسي المرتبك مع الأحداث أثار الكثير من علامات الاستفهام والأسئلة المشروعة ومنها: كيف استطاع الارهابيون التسلل الى المنطقة المغلقة، وتنفيذ الجريمة، والفرار دون اعتقال أي واحد منهم..؟؟ هذا الغموض يجعل التحليل والتكهن أمرا فيه تطاول على الغيب تحفّه المحاذير، ولا أحد يستطيع أن يقطع بحكم محدد في ظل الوضع المشحون بكل أسباب التوتر وندرة المعلومات وغياب الشفافية، الا الجهات التي تحقق في الملف ولديها الخبر اليقين..

سؤال: كيف نرى ديالى بعد هذه الهجمات هل ستتحول لمنطقة تشبه جرف الصخر..؟؟

جواب.. أعتقد أن المؤسسات الحكومية والوزارات المعنية تبذل جهودا كبيرة لتطويق الأحداث وضبط إيقاعها والحيلولة دون تدهورها وانفلاتها نحو هاوية العنف والفوضى والفتنة،وان استطاع الجهد الرسمي أن يمضي بنفس الزخم والاندفاع لمعالجة تداعيات الأزمة والجراح الملتهبة والتصدعات الاجتماعية والطائفية العميقة، بالتعاون مع الأهالي، فأننا سنرى انفراجا في الموقف ولكنه وبكل تأكيد سيكون بطيئا وحذرا، ولا يمكن تشبيه ديالى بمناطق أخرى فلكل منطقة خصوصيتها وتركيبتها وظروفها الاجتماعية والتاريخية..   

وفي الختام أقول لا يمكن النظر الى ما يجري في العراق بمعزل عن التوترات والصراعات في المنطقة، وذلك لا ينفي أن الداخل العراقي يعاني من أزمات سياسية وتحديات خطيرة، ما زالت تلقي بضلالها القاتمة على مجمل الوضع الراهن، ومن تداعياتها المحتملة أن المسرح الاستراتيجي في العراق سيشهد  خلال المرحلة القادمة تفجير الكثير من التناقضات والأحداث والألغام وعلى دفعات، فالمطلوب ضمن قواعد اللعبة الحالية أن يبقى العراق متوترا، متصدعا، مضطربا حتّى حين، ومن وجهة نظري فأن التصعيد وارد ومحتمل خلال المرحلة القادمة،لست متشائما من غير سبب، ولكني لن أتفاءل قبل الأوان..

*مستشار وناطق رسمي سابق لمكتب القائد العام ووزارة الدفاع(2012-2013)

شاهد أيضاً

جراحة سياسية فاشلة.. بقلم ضياء الوكيل*

الشعوب العربية والإسلامية تنظر إلى ما يسمى (اسرائيل) على أنها (شرٌّ مطلق، وعدوٌ مزمن، وتهديد وجودي للمنطقة، وخميرة للحرب والعدوان)، ومن لا يتصدى لها اليوم سيجدها عند أبواب بيته في الغد القريب.. للمزيد يرجى مطالعة المنشور كاملا..

تعليق واحد

  1. تحياتي استاذ تحليل منطقي وواقعي والسبب الاول هو عجز الاجهزة الامنية العسكرية عن الاستجابة السريعة وخاصة مايتعل برد الفعل احدهم وهو نائب فائز من ديالي افاد مع احمد ملا طلال في 2-2 2021 اجتمعنا جميع المحافظ والاجهزة الامنية لتفتيش قرية الامام والقري المحيطة في اليوم التالي وانفرط التفتيش وتحول الي انتقام استاذ ماكوا نيات سليمة للتداعيات الكل يبحثي عن الفوضي لانه الوحيد لفقدان النظام والقانون وهو المحيط الذي يعيشون فيه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.