زيارة وزير الدفاع العراقي للسعودية تترجم رغبة البلدين الجارين في مواصلة التشاور والتنسيق وتبادل الرأي في القضايا ذات الاهتمام المشترك، والعمل على تعزيز أواصر التعاون الثنائي في المجالات الدفاعية والأمنية ومكافحة الارهاب والتطرف، وادامة زخم العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية التي قطعت شوطا مثمرا على طريق التعاون الذي يخدم مصالح الشعبين الشقيقين، وسياسة الانفتاح العراقية التي تلقى ترحيبا وتجاوبا على الصعيدين الاقليمي والدولي، مكنّت العراق من لعب دور حيوي ومهم في تقريب وجهات النظر ما بين الرياض وطهران، ونجحت في جمعهما على طاولة حوارٍ مشتركة في بغداد، وذلك ساهم في تخفيف حدّة التوتر بين الدولتين، وفتح نافذة للأمل في امكانية التفاهم واعادة بناء جسور الثقة المفقودة بين دول المنطقة، وفي ذلك مصلحة للعراق وشعبه، قد يواجه التقارب العراقي السعودي معارضة داخلية وذلك أمر طبيعي ومشروع، ولكنه لا يغير من حقائق الجغرافيا وقوانينها الحاكمة، والعلاقات مع الدول تحكمها المصالح وتبادل المنافع والخبرات وليس العواطف والعقائد والعداوات، ومصلحة العراق وشعبه تقتضي التضحية وتجرّع الدواء المُر، وإن كانت ايران قد جلست على مائدة الحوار مع السعودية وغيرها من دول العالم وفقا لمصالحها، فالعراق الناهض من ركام الحروب والفساد والفشل هو الأجدر بفتح بوابات الحوار مع الجميع على أساس احترام السيادة وعدم التدخل وضمان الحقوق والمصالح، وأخيرا فأن العراق المستقر ضمانة للأمن والسلم والاستقرار في المنطقة، وذلك مرهون بتعافي الجبهة الداخلية المتصدعة والمنقسمة، فالعراق المتصالح مع نفسه يستطيع التصالح مع المنطقة والعالم، وبامكانه أن يعود عضوا فاعلا ولاعبا مؤثرا وليس ملعبا، ودولة قادرة على ضبط التوازن الاقليمي، والمساهمة في تخفيف المعاناة والجوع وخيبة الأمل التي فتكت بالشعوب والخرائط المريضة وحولتها الى قبور ومواسم للافلاس والتعصب والكراهية، ما زالت الفرصة سانحة لاصلاح وانقاذ الوضع في العراق، لكنه يحتاج الى فضيلة الاعتدال والنظر الى المرآة لمواجهة الحقائق والاستحقاقات، والاقتناع بأن حركة التاريخ لا تتوقف، وأن الزمن يتغير، ولا يمكن ضبط توقيت العراق على اتجاهٍ محدد..
*مستشار وناطق رسمي سابق لمكتب القائد العام ووزارة الدفاع(2012-2013)