يبدو أن بعض الأطراف تتجاهل حقيقة التنوع والتعدد في الواقع العراقي، وتنظر بعين واحدة الى تركيبة المشهد وألوانه، وتريد فرض الوصاية على عقول الآخرين وتتعامل معها وكأنها قاصرة أو لم تبلغ الحلم وسن الرشد بعد، لتحدد لها ما هو حلال وحرام وممنوع ومسموح على المستوى الشخصي، بمعنى تريد أن تلبس الناس (الزي الموحد) وفق ما تراه وتعتقده هي وليس ما يراه ويعتقد به الآخرون، وإلا بماذا نفسر تشريع قانون(حظر الخمور) في (بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب) وفق ما جاء في (المادة 3 /المباديء الأساسية من الدستور)..؟؟ ألا ينتهك هذا القانون تلك المباديء والحقوق..!؟ وقد يلامس ما هو أبعد في مجال الحريات الشخصية وحرية المعتقد والتعددية الدينية والثقافية في المجتمع العراقي، وربما يكون (جس نبض ومقدمة لفرضيات أخرى) بدأنا نسمع عنها، ومنها الحديث عن زي المرأة والحجاب والفصل بين الجنسين وحجب مواقع الانترنيت، ولا نستغرب إن جاءنا من يتخير لنا الأكل والشرب وماذا نقرأ وماذا نطالع وأية قنوات نشاهد والى أين نسافر وكيف نتزوج ومن نختار..الخ، إنها سياسة غير رشيدة، وتفتقر للحكمة والحنكة السياسية، والتوازن والرؤية الصائبة، ومن نتائجها إصدار قوانين جدلية لا تخدم الاستقرار في المجتمع، وتوجه رسائل خاطئة وغير مطمئنة الى مكونات الشعب العراقي، في وقت نحتاج فيه الى تعزيز مباديء التفاهم والتعايش وإحترام المعتقدات والأديان والقواعد العرفية والثقافية بين أطياف المجتمع، وبما أن (كل ممنوع مرغوب) فأن تجارة المشروبات الكحولية سوف تزداد في السرّ وذلك له تداعيات سلبية كبيرة على الأصعدة الإجتماعية والمالية والأمنية والقضائية..!! نحتاج الى قوانين تغيث الفقراء والمحتاجين وتعالج ملفات الفساد والتصدعات السياسية والإجتماعية والتحديات الإقتصادية والأمنية، نحتاج الى إعادة بناء الوطن والإنسان، وليس شعارات ومزايدات ودعاية لا تغني عن الحقية المرّة شيئا، أمّا الإسلام والدين فلا يحتاج الى قانون (حظر الخمور)، وقد تكفّلته إرادة عظيمة أودعت فيه كل أسباب القوّة والبقاء والتجدد والديمومة، وهو باقٍ بحفظ الله حتّى قيام الساعة، لأنه يعيش وينبض في الضمائر والقلوب المستنيرة بحب الله والصدق والإيمان، ونظافة اليد والأمانة في القول والفعل، والحلال بيّن والحرام بيّن، وذلك تدركه الفطرة الإنسانية السليمة، و(مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ )*اللهم احفظ الاسلام وأهله، واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا، وأنت أعلم بما في الأنفس، وما تخفي الصدور، وعلمك أوسع، ورحمتك أعمق، وغفرانك أرحب، يا أرحم الراحمين..
*مستشار وناطق رسمي سابق لمكتب القائد العام والدفاع والعمليات
*سورة الإسراء/الآية 15