تحولت كركوك بفعل السياسات العقيمة والقاصرة من مدينة للتعايش والإخاء والتسامح الى ملفٍ مفخخٍ بكلّ أسباب النزاع والخلاف والصراع المفتوح على كلّ الاحتمالات، وذلك يستوجب من أصحاب المصالح ولا أقول العقلاء.. الى بذل ما لديهم من جهود وتأثير لتجنيب هذه المدينة وأهلها، وحماية مصالحهم مما يحاك في الخفاء، والدهاليز المظلمة، فالمشهد أشدّ عمقا وتعقيدا مما يبدو أو يسوّق في الإعلام، والشعارات والخطابات السياسية المؤدلجة والنارية والمستفزة لن تحل مشاكل كركوك، وقد تزيدها توترا وتصعيدا واضطراب، وتوقظ الفتنة النائمة، والجراح المُعدية، الحل يكمن في الوعي الديمغرافي، والتفاهم المجتمعي، واعادة بناء الثقة التي تضررت بفعل فاعل بين أبناء المدينة، واصلاح ما أفسدته السياسة ودسائسها، ومع ذلك هناك أسئلة تستوجب الوقوف عندها: لماذا يستعذب البعض حكّ هذا الجرح ورش الملح عليه..؟؟ لماذا يلعب بالنار قرب مخازن البارود..؟؟ لماذا يثير هذه الأزمة الآن، ولمصلحة مَنْ..؟؟ وفي ذات الوقت فأن خطابا سياسيا من قماشة (كركوك محتلّة) أو (كركوك كردستانية) كما يتحدث بعض الأخوّة الكورد في القنوات، فهذا خطاب تصعيدي غير مسؤول، ولا يساعد على التهدئة وبناء الثقة، ويثير حفيظة وقلق المكونات الأخرى في كركوك، ثم لماذا كلّ هذا التجييش بين أطراف الأزمة، ألا يستحق العراق فرصة لالتقاط الانفاس، ولملمة أشلاء الدولة، وتضميد الجراح، أم أن صناعة الأزمات أصبحت جزء من سياسة المشاغلة والتخويف والإحتواء، وإدامة حالة الفوضى والفساد واستباحة ما تبقى من مشروع الدولة، وحصانة البلاد، لم يعد هناك المزيد من الوقت، فالزمن جنرال، وإن انتقل سلاح الوقت للخصوم فعلينا الاستعداد لدفع الثمن، ولم يعد هناك مجال للخطأ، فالعلاج بالأوهام والشعارات لا يعفي من النظر إلى المرآة ومواجهة الحقائق المُرّة، وأي مشروع سياسي، أو برنامج عمل وطني يجب أن يرتكز إلى مبدأ ثابت يؤمن بأن العراق وطن وليس غنيمة، وأن كرامة الإنسان فيه..غاية نبيلة، وهدف لكل تشريع وقانون ودستور، وخارطة طريق تتحقق بوجود دولة تتبنى استحقاق ومفهوم المواطنة، وتحترم الإنسان كقيمة عليا وليس رقما في دفاتر الإحصاء، والجنسية، والوفيات، وسجل الناخبين، ومكاسب الأحزاب ..
*مستشار وناطق رسمي سابق لمكتب القائد العام والدفاع والعمليات