بلاتر اخطأ وهو الثمانيني عندما تمسك بكرسي الرئاسة حتى اللحظة الأخيرة مثل الزعماء العرب.. ومسلسل الفضائح سيستمر وقد يطال رؤوسا عربية عديدة.. ورقص “البعض” احتفالا بفوزه بولاية خامسة كان سابقا لأوانه
رضخ سيب بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” مكرها للضغوط الامريكية والاوروبية التي مورست ضده، وقدم استقالته من منصبه، داعيا لعقد اجتماع للجمعية العمومية للاتحاد لانتخاب خلف له في غضون ستة اشهر، ولكن من غير المتوقع ان يظل حرا طليقا طوال هذه المدة، بعد ان نشرت صحفا امريكية ان مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي (FBI) بات يحقق في تورطه في تهم فساد، وانه يملك وثائق تدينه.
بلاتر، وبعد اربعة ايام من فوزه الساحق برئاسة “الفيفا” لولاية خامسة، ادرك انه لن يستطيع الاستمرار في منصبه، ناهيك عن اكمال هذه الولاية، بعد تهديد الولايات المتحدة وبريطانيا بتنظيم مسابقات كأس العالم المقبلة بعيدا عن الاتحاد الدولي الذي يتزعمه، ولهذا قرر التحلي بالعقل والبراغماتية والانسحاب من المنصب، قاطعا الطريق، ولو مؤقتا، على من يريدون اطاحته.
لا شك ان بلاتر وطوال الـ17 عاما التي تربع خلالها على عرش “الفيفا” طور لعبة كرة القدم، وقدم خدمات جليلة لدول العالم الثالث الفقيرة المعدمة، وسجل سابقة منح تنظيم المباريات النهائية الى دولة افريقية هي جنوب افريقيا، رغم شكوك الكثير من الدول الاوروبية حول قدرة هذه الدولة على تنظيمها، وما حدث هو العكس تماما، ولكن المستر بلاتر تصرف تماما مثل الزعماء العرب، اي التمسك بالكرسي حتى اللحظة الاخيرة في حياته، رغم اقترابه من الثمانين من عمره، ولم يؤمن، وهو الاوروبي، بمبدأ تداول السلطة، وضخ دماء جديدة شابة لتحمل المسؤولية.
كان على بلاتر ان يستقيل من منصبه بعد دورتين او ثلاث دورات، او حتى اربع من رئاسته للفيفا، اما ان يصر على البقاء لدورة خامسة، وفي ظل فضائح الرشاوى والفساد التي ضربت مؤسسته، واسفرت عن اعتقال سبعة من قياداتها، فهذا سوء تقدير، ناهيك عن كونه خطأ في الحسابات دفع ثمنه غاليا.
الامر المؤسف ان العرب كانوا متورطين بشكل او بآخر في معضلة الفيفا هذه، وخرجوا اكثر الخاسرين، فقد انقسموا في الانتخابات الاخيرة بين معسكرين احدهما مؤيد للمرشح بلاتر، والثاني للامير علي بن الحسين المرشح الآخر، وكأننا كعرب ينقصنا الانقسامات هذه الايام.
الحملة الامريكية البريطانية على بلاتر سياسية في طابعها، وكان صادقا عندما قال انه لو لم تكن البلدان الخاسران في منافسة تنظيم مسابقات نهائيات كأس العالم عام 2018 (فازت فيها روسيا) او عام 2022 (فازت فيها قطر)، اي بريطانيا وامريكا، لما حدث كل ما حدث، ولكن خطأ المستر بلاتر ومجموعة الفاسدين حوله انه وفر لهذه الحملة الوقود اللازم، سواء من خلال اصراره على التمسك بالمنصب، او في التستر على قضايا الفساد طوال السنوات الماضية من رئاسته.
الايام المقبلة صعبة للغاية ليس بالنسبة الى بلاتر فقط، وانما لروسيا ودولة قطر، فمن المؤكد ان ملفات خطيرة سيتم فتحها حول الكيفية التي تمت من خلالها منح الدوليتن هذا الشرف الكروي الاكبر، وسط هذا الكم الهائل من اتهامات الفساد والرشاوى، ومن يتابع الصحف الامريكية والبريطانية واستهدافها لدولة قطر على وجه الخصوص، طوال العامين الماضيين، وتركيزها على اتهامات الفساد وسوء معاملة العمالة الاسيوية، يدرك جيدا ان عاصفة كبرى تتجمع السنتها حاليا، في طريقها اليهما.
استقالة بلاتر كانت بمثابة قمة جبل ثلج ضخم من الفساد والافساد في اهم مؤسسة كروية عظيمة، ومن المؤكد ان مفاجآت عديدة ستظهر في الاسابيع والاشهر المقبلة، وان رؤوسا عديدة ستقطع، وما علينا غير الانتظار، وكل شيء في وقته جيد.
“راي اليوم”