سور أمني وأشياء أخرى..بقلم ضياء الوكيل*

اطلعت مثل غيري على خبر إنشاء (سورٍ أمني) جديد حول مدينة سامراء بدل القديم، مع توسيعه ليشمل مناطق جديدة، وتم إحالته الى الشركة المنفذة، وهذا من عجائب العراق الكثيرة، إذ كيف نقتنع باقامة (سور أمني) في عصر الليزر، والتفوّق العلمي والتقني، وغزو الفضاء، وحروب الجيل الخامس..؟؟ ولنفترض جدلا أنّه (سيوفر الأمن) لمن هو  في داخله وفقا لتصريحات منظّريه، فماذا عن المناطق المحيطة بالمدينة، ومن هم خارج السور..؟؟ هل ذلك تصنيف أمني جديد للمناطق؟؟ فهذه منطقة (أ) وتلك (ب) وهكذا..؟؟ ولم يشير الخبر في تفاصيله إن كان السور سيقترن بحفر (خندق) لتكتمل الصورة والمشهد المجتزأ من صورة أوسع في مستوى الغرابة والعجب..!! وهذا الخبر يذكرني بقصّة وحكمة صينية قديمة، تعود الى (القرن الثالث قبل الميلاد)، عندما قرر الصينيون بناء (سور الصين العظيم)، وهو مشروع دفاعي متكامل بعظمة بنائه، وقوّة وضخامة تحصيناته، قياسا بذلك التاريخ البعيد، وكان هدفه ردع الهجمات التي كانت تتعرض لها مملكة الصين من (المغول والترك) وفقا للروايات التاريخية، واستمر العمل به لسنين طويلة، ولكن فوجيء الصينيون بعد إكمال البناء ومرابطة الجنود عند أبراجه وأبوابه، بنجاح ثلاثة هجمات معادية استطاعت التسلل إلى أراضي المملكة الصينية، ولكن ليس بتسلق السور، إنّما عبر (الأبواب)..؟؟ ولدى البحث اكتشفوا أنّ العدو اشترى الحراس واتفق معهم، واستولى على مفاتيح اللعبة..!! وهنا أدرك الصينيون أنهم اهتموا ببناء السور، وأهملوا بناء الحارس، اعتنوا بالحجر، وتجاهلوا البشر، وغاية القصّة أننا لسنا في عصور ما قبل الميلاد كي نقيم أسوارا حول المدن، بل نعيش في زمن يتسابق فيه العلم والسياسة والاقتصاد مع تطور السلاح والتكنلوجيا والمعلومات، ولتحقيق الأمن وسائل وأساليب ترتبط بقيم العدالة، وتحقيق كرامة الإنسان، وضمان حقوقه، الأمن يستقر بوجود حكومة قوية قادرة على فرض القانون والعدل والنظام، الأمن شعور بالأمان والإطمئنان، وليس أسوار وكاميرات وجدران عالية، الأمن غاية العدل، وأساس التنمية، وهدف القوانين والشرائع، وهذا السور رسالة خاطئة، وعودة الى أساليب ما قبل التاريخ، وبدعة ابتكرها الإحتلال الأمريكي لأسباب نعرفها جميعا، ومن يبحث عن الأمن عليه أن يحكم بالعدل، ويهتم بالإنسان، ويحمي المال العام، وينقّي الشوارع والبلاد من الظلم والفساد والفاسدين، عند ذلك سيجد الأمن أمامه، وسيدافع عنه الناس قبل الأجهزة الأمنية، والحصاد من جنس البذار..

*مستشار وناطق رسمي سابق لمكتب القائد العام والدفاع وقيادة العمليات

شاهد أيضاً

جراحة سياسية فاشلة.. بقلم ضياء الوكيل*

الشعوب العربية والإسلامية تنظر إلى ما يسمى (اسرائيل) على أنها (شرٌّ مطلق، وعدوٌ مزمن، وتهديد وجودي للمنطقة، وخميرة للحرب والعدوان)، ومن لا يتصدى لها اليوم سيجدها عند أبواب بيته في الغد القريب.. للمزيد يرجى مطالعة المنشور كاملا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.