كلّ القوى التي أرادت السيطرة على المنطقة اعتمدت استراتيجية (عزل الشام عن العراق)، وخلال أكثر من نصف قرن طبّق(النظامان البعثيان)هذه الاستراتيجية حرفيا، فلم تلتقي (دمشق وبغداد) على علاقات ثنائية طبيعية، بل كانت القطيعة والخلاف وعدم الثقة هي السائدة بين العاصمتين العربيتين، وحتى بعد سقوط النظام السابق استمرت دمشق على هذا النهج بأشكال مختلفة ومعروفة، حتى العام 2011 واندلاع (الثورة السورية)، حيث قررت إيران التدخل لصالح نظام بشار الأسد، ومن نتائج هذا التدخل أن استدارت العلاقات بين سوريا والعراق نحو التقارب وبمقدار(180درجة) والأسباب معروفة، ولا يمكن القياس على المحاولات الإيرانية لاختراق(استراتيجية العزل)، لأنها اعتمدت مقاربات تعاكس حركة التاريخ، وتتجاهل الجغرافية، والتركيبة السورية المعقدة، والنتيجة أنها فشلت تماما، وما بنته في عقود انهار في ساعات أو أيام قليلة، وذلك يحتاج الى مراجعة وقراءة واعية للأحداث والتطورات في المنطقة، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل تغيير النظام في دمشق سيوفر فرصة لالتقاء المصالح واعادة بناء العلاقات بين الدولتين الجارتين (العراق وسوريا)، أم أن التاريخ سيعيد نفسه ويفرض حقبة جديدة من الخلاف والتجاذب قد تستمر لنصف قرن آخر..؟؟ ذلك يعود للإرادة السياسية في كلا البلدين الجارين، ويُفْتَرَضْ أن المصالح هي التي تحكم المواقف، ولكن ذلك غير مؤكد، وقد يكون من المبكر القطع والاستنتاج في هذا الموضوع، فالمستقبل في علم الغيب، وتحفّه الكثير من المخاطر والمحاذير، لست متفائلا، وأتمنى أن أكون مخطئا..
*مستشار وناطق رسمي سابق لمكتب القائد العام والدفاع وقيادة العمليات