تقرير الارهاب العالمي
لا يمكن فهم الإرهاب وأسبابه والتوصل إلى سبل التصدي له ما لم تكن هناك قاعدة بيانات ومعلومات ومعرفة بالحالات الدولية المختلفة التي يمارس فيها. الدراسات المقارنة تعطينا بجوار التباين بين الحالات المتنوعة، بعضًا من التعميمات المفيدة للتعامل مع كل حالة على حدة. بمعنى آخر، إننا إزاء مرض أصاب كثيرًا من الدول، وهو ما يمكن مع الدراسة والبحث استخلاص خصائصه وأسبابه العامة، ولكن ذلك لا يعني أن كل مريض سوف يكون له ما يميزه عن الآخرين. وفي كل الأحوال فإن دراسة العام والخاص تُغني عملية البحث عن علاج. ومن المدهش أنه رغم انتشار الإرهاب في المنطقة العربية والشرق أوسطية في عمومها، فإن هناك القليل من الدراسة والبحث والجهد لهذه الظاهرة الدموية. ولكن، ولحسن الحظ، فإن هناك آخرين في العالم يقومون بهذه المهمة؛ ومن بين هؤلاء قام معهد الاقتصاد والسلام في الولايات المتحدة بالتعاون مع «الائتلاف الوطني لدراسة الإرهاب والاستجابات للإرهاب» الموجود في جامعة ميريلاند، والذي لديه قاعدة بيانات الإرهاب بإصدار تقرير أو مقياس الإرهاب العالمي 2014، الذي قام بدراسة وجمع بيانات عن 162 دولة خلال الفترة من عام 2000 وحتى 2013.
التقرير فيه – فضلاً عن المعلومات التفصيلية عن الدول وأنواع العمليات الإرهابية والأدوات المستخدمة فيها – بعض من البحث عن الأسباب، والعلاقات الارتباطية المسببة والمتزامنة مع الإرهاب. ولعل أولى ضحايا هذا التقرير تلك النظرية الشائعة في الولايات المتحدة، ولدى الرئيس أوباما شخصيًا، والليبراليين العرب، والمعروفة بالأسباب «الجذرية» للإرهاب، والتي غالبًا ما تربطها بأسباب سياسية، خاصة بالحالات السلطوية في الدول، وما يقال عن مخالفتها لحقوق الإنسان، والأسباب الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالفقر وتدهور المؤشرات الخاصة بالتنمية البشرية، والتي ترد عادة في تقرير التنمية البشرية الذي يصدر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية، حيث يقول «تقرير الإرهاب العالمي» بوضوح، إنه لا توجد رابطة منتظمة بين مقاييس الفقر، أو الكثير من عوامل التنمية الاقتصادية مثل مقياس التنمية البشرية، وما يتفرع عنها من متوسط سنوات الدراسة، أو العمر المتوقع عند الميلاد؛ كما أنه لا توجد علاقة ما بين النمو الحالي في الناتج المجلي الإجمالي من عام إلى آخر والإرهاب بشكل أو آخر. ومن بين آلاف المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسلوكية التي جرى تحليلها في التقرير، فإن نظام الحكم لم يكن هو القضية، وإنما درجة الاستقرار السياسي، وعلاقته بتماسك الجماعة الوطنية ومدى انقسامها الطائفي أو العرقي أو الإقليمي، ومدى شرعية الدولة ذاتها. ويشير التقرير إلى أنه رغم أن وجود حركات انفصالية في الدولة كان السبب الرئيسي للإرهاب في عام 2000، فإن الدين سرعان ما دخل في إطار المنافسة حتى تفوق عليها وعلى كل العوامل السياسية. وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإنه كان السبب وراء أكثر من 80 في المائة من العمليات الإرهابية. لاحظ هنا أن التقرير يعتمد على البيانات الممتدة من بداية القرن وحتى عام 2013، أي قبل التوسع في مجزرة سوريا، وقبل التصاعد في قوة «داعش» واستيلائها على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، وقبل العمليات الواسعة التي قامت بها جماعة بيت المقدس في سيناء، وقيام «داعش» بعمليات إرهابية في ليبيا واليمن والمملكة العربية السعودية وتونس.
مقياس الإرهاب العالمي يقول بوضوح، إن الإرهاب العالمي يتصاعد في العالم، وبعد أن كان عدد الضحايا من العمليات الإرهابية أقل من 4000 قتيل في عام 2000، فإن هذا العدد ارتفع إلى 16 ألفًا في عام 2013. ولكن الإرهاب أيضًا يتركز في بلدان بعينها. وفي عام 2013 فإن 80 في المائة من ضحايا الإرهاب حدثت في خمس دول: العراق، وأفغانستان، وباكستان، ونيجيريا، وسوريا. لاحظ هنا أنها كلها بلدان إسلامية، ومنها خرجت تنظيمات إرهابية كبرى مثل تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، وطالبان باكستان وأفغانستان، والشباب، وبوكو حرام. وفي العشر دول الأولى يضاف للدول الخمس السابقة من العرب الصومال واليمن، ومن غيرهم الهند والفلبين وتايلند. وفي العشر دول التالية تدخل من الدول العربية مصر ولبنان وليبيا والسودان. ومن بين مناطق العالم فإن إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمثل أعلى مناطق العالم إرهابًا؛ وفيه تحدث 53 في المائة من العمليات الانتحارية. وفي المقابل، فإن أقل مناطق العالم إرهابًا هي تلك التي تقع فيها الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكلها تقع في شمال أميركا وأوروبا مضافًا لها إسرائيل، وآيسلندا، وأستراليا ونيوزيلندا، وجميعها وقعت لديها 5 في المائة فقط من العمليات الإرهابية خلال فترة المقياس.
أخذًا بكل ما سبق من معلومات، فإن ذلك يؤكد ما أشرنا له مسبقًا في هذا المقام حول المهام العظمى الثلاث التي على الدول العربية والدول المحبة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط أن تعمل على إنجازها. فمن الواضح أن استعادة الدولة ومؤسساتها وهيبتها وتماسكها لها من الأهمية في محاربة الإرهاب ما يصعب تجاهله، خاصة في ما يتعلق بالحركات الانفصالية والهادمة لشرعية الدولة. ولكن الواضح أكثر من هذا المقياس، أن استعادة الدين لا بد أن تعطى الأولوية الأولى بعد أن جرى خطفه من جانب جماعة الإخوان المسلمين التي تبنّت منذ بدايتها مع حسن البنا، وبالتأكيد مع ذيوع فكر سيد قطب، أفكار الخوارج في «الحاكمية». ورغم أن الإخوان قاموا بتأسيس عملية الخطف، فإن تنظيمات كثيرة باتت تصارع فيما بينها لتزعم عملية الخطف هذه واستخدامها في تجنيد الشباب، بمن فيهم حتى ذلك الشباب المسلم الموجود في الدول الأوروبية وشمال أميركا. ومن الجائز أن «داعش» أكثرها شهرة الآن بحكم إعلانها «الخلافة» المزعومة، واستيلائها على أراضٍ شاسعة في دولتين عربيتين مهمتين؛ ولكن الحقيقة أن «داعش» تقف على رأس جبل من التنظيمات الإرهابية الأخرى وتتحالف معها على تدمير المنطقة كلها. ومن هنا تأتي الأهمية التاريخية لاستعادة الأمن الإقليمي كله، فمع استمرار وتعزيز «التحالف الإرهابي» فإن الحاجة ماسّة لتعزيز ودعم تحالف الاستقرار والبناء في المنطقة بإجراءات بعضها يتعلق باستخدام القوة المسلحة، وبعضها الآخر يرتبط باستخدام الدبلوماسية والإعلام وأدوات أخرى كثيرة.
إن الإرهاب آفة وسرطان أصاب العالم، وبشكل خاص المنطقة التي نعيش فيها، ومن الملاحظ أنه اكتسب قوة دفع واضحة من تقرير الإرهاب العالمي بعد ما جرى في «الربيع العربي» الذي أصاب المنطقة كلها بمرض نقص المناعة. ولكن ذلك لا يمكن رصده فقط دون رصد المقاومة الحالية، والتي أخذت أشكالاً متنوعة في البحرين ومصر وتونس والجزائر، ومؤخرًا اليمن. ولا تزال المعركة جارية ومستمرة.
نقلا عن الشرق الاوسط