عملية عسكرية تركية مرتقبة
خسارة تركيا أو مكاسبها الممكنة من عملية عسكرية في سوريا
سونر جاغابتاي سونر جاغابتاي
تشير التقارير الإعلامية الأخيرة إلى احتمال استعداد تركيا للقيام بتوغل عسكري داخل سوريا. وعلى وجه التحديد، ربما تسعى القوات التركية إلى الاستيلاء على أراضي تمتد مسافة 55 ميلاً من أعزاز في الغرب إلى جرابلس في الشرق، وإقامة حاجز وقائي قد يصل عمقه إلى 20 ميلاً لمنع تسرب العنف من البلد المجاور، وإقامة نقطة انطلاق للثوار السوريين الموالين لتركيا.
وفي تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، حصلت حكومة «حزب العدالة والتنمية» على تصريح من البرلمان لنشر قوات في سوريا أو العراق إذا لزم الأمر، وفي 2 تموز/يوليو، أعلن «حزب الحركة القومية» المعارض – الذي يجري محادثات حول تشكيل حكومة ائتلافية مع «حزب العدالة والتنمية» – عن دعمه لمثل هذه العملية. ومع ذلك، ثمة اعتبارات داخلية تركية أخرى تعارض شن مثل هذه العملية، التي تواجه أيضاً عقبات محتملة، من بينها تردد الجيش، والافتقار للدعم الشعبي، ووجود معارضة من قبل «حزب الشعب الجمهوري» و «حزب ديمقراطية الشعوب». وتثير هذه العوامل تساؤلات بشأن ما يمكن أن تكتسبه أنقرة أو تخسره من اتخاذ إجراءات في سوريا.
منع تحرّك «حزب الاتحاد الديمقراطي» نحو الغرب
حتى وقت قريب، كانت هناك مجموعة كبيرة من الجهات الفاعلة تسيطر على الجانب السوري من الحدود التركية على طول 510 ميلاً، بما فيها «حزب الاتحاد الديمقراطي» الموالي للأكراد، وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، و«جيش الفتح» (الذي تهيمن عليه «جبهة النصرة» التابعة لـ تنظيم «القاعدة»)، وعناصر معتدلة من ثوار «الجيش السوري الحر».
ويرتبط «حزب الاتحاد الديمقراطي» بـ «حزب العمال الكردستاني»، الذي خاضت تركيا معارك ضده دامت عقود إلى أن دخلت معه في محادثات سلام عام 2012. وقد سيطر «حزب الاتحاد الديمقراطي» على ثلاثة قطاعات معزولة في سوريا منذ بعض الوقت، وهي عفرين في شمال غرب البلاد وكوباني في شمال – وسط سوريا والجزيرة في شمال شرق البلاد. وفي أيار/مايو، استولى «حزب الاتحاد الديمقراطي» – بمساعدة الغارات الجوية الأمريكية – على امتداد ما يقرب من ستين ميلاً من الأراضي الواقعة تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» بين قطاعي الجزيرة وكوباني (“عين العرب”)، وأقام منطقة تحت سيطرته يبلغ طولها 250 ميلاً. وتخشى أنقرة الآن من أن يقرّر الحزب الربط بين القطاعات الثلاثة من خلال التحرّك أكثر نحو الغرب والاستيلاء على أراض بين أعزاز وجرابلس.
وقد يشكّل ذلك مهمة بالغة الأهمية – ففي حين قد يكون «حزب الاتحاد الديمقراطي» قادراً على بسط سيطرته العسكرية على حزام أعزاز- جرابلس بدعم جوي أمريكي، لكنه قد يواجه صعوبة في الاحتفاظ بهذه المناطق ذات الغالبية العربية إلا إذا شنّ حملة تطهير عرقية واسعة النطاق. ومع ذلك، فقد تحاول أنقرة استباق ما تعتبره طوقاً محتملاً من قبل «حزب العمال الكردستاني» في الجنوب على طول 385 ميلاً.
خسارة دعم الأكراد الأتراك
تشعر الجالية الكردية في تركيا بسعادة غامرة من نجاح «حزب ديمقراطية الشعوب» في الانتخابات البرلمانية في 7 حزيران/يونيو. فمن خلال مشاركته مع فصائل ليبرالية مختلفة، فاز الحزب بثمانين مقعداً في المجلس التشريعي، وهذه نتيجة لم يسبق أن حقّق مثيلاً لها، وبذلك أصبح ثالث أكبر كتلة برلمانية بتعادل عدد مقاعده [مع حزب آخر]. ويعتبر الأكراد حالياً أنه لا يمكن بعْدَ الآن تجاهل مطالبهم السياسية واللغوية.
ويشعر الأكراد الأتراك أيضاً بسعادة غامرة بشأن التطورات الأخيرة في العراق وسوريا، إذ حقّق أقرانهم الأكراد درجات متفاوتة من الحكم الذاتي. وقد بدؤوا يهتمون بشكلٍ كبير بمصير الأكراد السوريين، الذين يعيش معظمهم في القطاعات الثلاثة عبر الحدود مباشرة. فالعلاقات الشخصية والعائلية والجغرافية والسياسية هي أعمق بين الأكراد الأتراك والسوريين، كما يتمتع «حزب العمال الكردستاني» وشقيقه «حزب الاتحاد الديمقراطي» بهيمنة مماثلة بين قطاعات واسعة من المجتمع الكردي على جانبيْ الحدود.
إن ذلك يفسّر التأثير الزلزالي الذي أحدثته أزمة كوباني على السياسة التركية بدءاً من العام الماضي. فعندما تعرّض القطاع الذي يسيطر عليه «حزب الاتحاد الديمقراطي» لهجوم من تنظيم «داعش» في شهر أيلول/سبتمبر، رفضت أنقرة تقديم المساعدة في البداية، على أمل استغلال الأزمة كأداة للمساومة لوضع «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«حزب العمال الكردستاني» تحت سيطرتها. إلا أنّ هذه الاستراتيجية أتت بنتائج عكسية: فقد تدخّلت الولايات المتحدة بتزويدها السلاح وشنها غارات جوية، ونجت كوباني وأصبحت رمزاً كردياً. كما أن قرار أنقرة قد حطّم الدعم الكردي لـ «حزب العدالة والتنمية» الذي ينحدر منه الرئيس رجب طيب أردوغان بعد أن كان قوياً في السابق. فبعد أن كان الكثير من الأكراد المحافظين قد ساندوا «حزب العدالة والتنمية» في الماضي، حوّلوا أصواتهم إلى «حزب ديمقراطية الشعوب»، مما ساعد هذا الأخير على الحصول على أكثر من ضعفيْ الأصوات التي كان قد حصل عليها في انتخابات عام 2011.
ولن يؤدي أيّ جهد عسكري تركي لمنع [تقدّم] «حزب الاتحاد الديمقراطي» سوى إلى تفاقم تأثير كوباني – فقد يفقد «حزب العدالة والتنمية» الدعم الكردي بأكمله، أو أسوأ من ذلك، قد يقرّر الأكراد الانفصال عن أنقرة تماماً. وينظر الأكراد الأتراك إلى مصير الأكراد السوريين على غرار نظرة الأتراك إلى إخوانهم العرقيين في شمال قبرص، ويتوقعون بأن تقدّم الحكومة التركية مستوى مماثل من الحماية لهم. وإذا حاولت أنقرة منع [تقدّم] الأكراد في سوريا بدلاً من مساعدتهم، قد تضع حداً للالتزام السياسي والعاطفي الذي يوليه الأكراد تجاه الدولة التركية، مع تداعيات على الاستقرار الداخلي.
إقامة نقطة انطلاق معادية للأسد
في الأشهر الأخيرة، قامت تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية بتجميع مواردها لتوفير المزيد من الأسلحة لقوات المعارضة في شمال سوريا. وقد أتاح ذلك سيطرة «جيش الفتح»/«جبهة النصرة» على إدلب – أول عاصمة محافظة يستولي عليها هذا التحالف. وقد توفر منطقة عسكرية تركية في سوريا – التي قد تمتد إلى ضواحي حلب، كبرى المدن السورية قبل الحرب – نقطة انطلاق لهذا التحالف لتهديد حلب وربما تجاوزها، مما يعزز هدف «حزب العدالة والتنمية» في الإطاحة بنظام الأسد.
إعادة توطين اللاجئين من خلال عودتهم إلى سوريا
إن التدخّل في سوريا قد يساعد تركيا أيضاً على تخفيف مشكلة اللاجئين المتزايدة عن كاهلها. وتستضيف البلاد ما يقرب من مليونيْ لاجئ سوري، وهذا أكبر عدد من اللاجئين في أي بلد في العالم. والكثير منهم من الفقراء من الريف السوري، وغالباً ما يكونون تحت تأثير أهوال الحرب. وقد أدى تواجدهم المتزايد في المدن والمخيمات في تركيا إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية ضدّ سياسة «حزب العدالة والتنمية» في سوريا. ولمعالجة هذه المشكلة، تستطيع أنقرة نقل بعض المشرّدين إلى منطقة عسكرية عبر الحدود – وعلى وجه التحديد اللاجئين الذين يبلغ عددهم حوالى 300 ألف شخص ويقيمون حالياً في المخيمات التركية، فضلاً عن أي لاجئين محتملين في المستقبل.
التعرض لغضب الأسد وروسيا وإيران و تنظيم «الدولة الإسلامية»
سيشكّل أيّ توغل تركي لمساعدة الثوار دعوةً لإغضاب نظام الأسد المعروف بصلاته بالجماعات الإرهابية الماركسية داخل تركيا. ومثل هذه الخطوة ستؤدي أيضاً إلى استياء الراعي الرئيسي الدولي لبشار الأسد (موسكو)، وراعيه الإقليمي (طهران). فلروسيا وإيران صلات تاريخية بـ «حزب العمال الكردستاني»، ويمكنهما دعمه في زعزعة استقرار أي منطقة عسكرية تركية داخل سوريا. كما بإمكان روسيا أن تدفع أيضاً باتجاه اتخاذ قرارات مناهضة لتركيا في الأمم المتحدة، على الرغم من أنّ الولايات المتحدة قد تمنع مثل هذه الجهود. وأخيراً، يمكن أن تستخدم روسيا بطاقة الطاقة التي تملكها ضدّ أنقرة – فتركيا تشتري أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي والنفط من روسيا، وسيؤدي أيّ خفض في هذه الإمدادات إلى إلحاق الضرر في اقتصاد البلاد بصورة شديدة.
ومن جانبه، قد يرضخ تنظيم «داعش» لأيّ توغل تركي في البداية، إذ يفضّل التنظيم أن يفقد الأراضي الواقعة تحت سيطرته لصالح أنقرة بدلاً من ألدّ أعدائه، «حزب الاتحاد الديمقراطي» والولايات المتحدة. وقد ينسحب مقاتلو تنظيم «الدولة الإسلامية» حتى من مناطق معينة دون خوض معارك كبيرة ضدّ القوات التركية. ولكن بإمكان منطقة عسكرية تركية أن تشحذ في النهاية من قوة عناصر الثوار المناهضة لـ «داعش»، مما سيدفع بالتنظيم لا محالة إلى الشعور بالاستياء من أنقرة – وعلى المدى الطويل، قد تواجه تركيا تهديداً خطيراً من تنظيم «الدولة الإسلامية».
منح «حزب العدالة والتنمية» شريان الحياة في حال اجراء انتخابات مبكرة
قد يستطيع أردوغان تحقيق استيلاء تركي سريع على أراضي سورية وإظهاره ذلك انتصاراً لـ «حزب العدالة والتنمية» الذي ينحدر منه. ومن شأن ذلك أن يساعد الحزب إذا اضطرت تركيا إلى إجراء انتخابات مبكرة. فوفقاً للدستور، ينبغي تشكيل حكومة جديدة خلال 45 يوماً بعد اختيار رئيس البرلمان ونواب الرئيس بعد الانتخابات. وقد انتُخب الرئيس الجديد للبرلمان التركي في 1 تموز/يوليو وسيتم انتخاب نوابه في الأسبوع الثاني من تموز/يوليو، وعندها سيبدأ العد التنازلي. ويتمتع «حزب العدالة والتنمية» بأكثرية المقاعد في المجلس التشريعي، ولكنّ ذلك أقل من الغالبية اللازمة لتشكيل حكومة. وإذا ما فشلت مفاوضات ائتلافه مع الأحزاب الأخرى في تشكيل حكومة تحصل على الثقة بحلول منتصف آب/أغسطس، فسوف ينبغي إجراء انتخابات جديدة.
وفي ظلّ هذا السيناريو، سيؤدي التوغل التركي في سوريا إلى خسارة «حزب العدالة والتنمية» المزيد من الدعم الكردي في صناديق الاقتراع. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، فإن “عملية النصر” موضع البحث ستجعله يجتذب الناخبين المحافظين من «حزب الحركة القومية»، وليس هناك شكّ في أنّ أردوغان يأمل في أن هذا الدعم الوافر سيساعد «حزب العدالة والتنمية» في الحصول على الأغلبية المطلقة.
زعزعة استقرار تركيا على المدى الطويل
بالنسبة لأنقرة، إن أي عملية عسكرية في سوريا قد تثير العديد من التحديات الأمنية والسياسية على المدى الطويل. فبالإضافة إلى التهديدات لتي سبق ذكرها – إمكانية العودة للنزعة الانفصالية بين الأكراد الأتراك الساخطين والمتحدين سياسياً، والتحركات الروسية المعادية، والانتقام المسلح لكل من نظام الأسد و «حزب الاتحاد الديمقراطي» و تنظيم «الدولة الإسلامية» – ستتحوّل تركيا في نهاية الأمر إلى “محتلّ” في نظر الشعب السوري، بما في ذلك القوات ذاتها التي تنوي أنقرة دعمها. وفي النهاية، قد تضطر تركيا إلى الاختيار بين التزام مُكلّف طويل الأمد للدفاع عن منطقة عسكرية بين جرابلس وأعزاز وبين الانسحاب من المنطقة وبالتالي الاعتراف بـ “الهزيمة.”
التداعيات على السياسة الأمريكية
سيعتمد موقف الولايات المتحدة حول التدخل التركي على تفاصيل العملية ونطاقها وتأثيرها. فدعم واشنطن لعملية توغل عسكرية واسعة النطاق تشمل القوات البرية هي أقل احتمالاً. وبسبب كون تركيا عضواً في حلف الشمال الأطلسي، فإن مثل هذه العملية قد تهدّد بجرّ الولايات المتحدة إلى أتون الحرب في سوريا. وفي المقابل، لن تعارض واشنطن شن عملية أصغر حجماً – تكون محدودة بالقصف في عمق الأراضي السورية لإيجاد ملاذ آمن لجماعات الثوار – لا سيما وأنها قد تقطع خطوط إمدادات تنظيم «داعش»، وتُخرج التنظيم من بعض المناطق. وإذا كان بإمكان تركيا تحديد طريقة العمل مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» بدلاً من أن ينتهي بها الأمر بالنزاع معه، فإن ذلك قد يشكّل إضافةً ملائمة على الدعم الأمريكي الضمني، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى بعض الأصول العسكرية الأمريكية.
* سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب “صعود تركيا: أول قوة مسلمة في القرن الحادي والعشرين” (بوتوماك بوكس)، الذي سُمّي من قبل “جمعية السياسة الخارجية” كواحد من أهم عشرة كتب صدرت في عام 2014.