«حماس» تكثّف سعيها للحصول على الاعتراف الدولي
شهدت الأسابيع الأخيرة زيادة ملحوظة في النشاطات الدبلوماسية لمسؤولي «حماس». ففي حزيران/يونيو، التقى زعيم الحركة، خالد مشعل، بمبعوث السلام لـ “اللجنة الرباعية الدولية” المنتهية ولايته توني بلير. وذكرت بعض التقارير أن الاثنين قد التقيا ثانية منذ ذلك الحين. وفي تموز/يوليو، قام وفد من حركة «حماس» برئاسة مشعل بزيارة إلى المملكة العربية السعودية استغرقت ثلاثة أيام، استُقبلوا خلالها من قبل العاهل السعودي الملك سلمان ومجموعة من كبار المسؤولين السعوديين الآخرين. وفي 3 آب/أغسطس، التقى مشعل مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي دعاه لزيارة موسكو في المستقبل. وفي 12 آب/أغسطس، التقى مشعل مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. وتدّعي «حماس» أيضاً أن وفداً برئاسة محمود الزهار، أحد كبار المسؤولين في غزة الذي يحافظ على علاقات قوية مع الجناح العسكري للمنظمة، سيزور طهران قريباً.
وبشكل جوهري، لا يوجد قاسم مشترك بين هذه الاجتماعات، حيث تعامل كل واحد منها مع قضايا مختلفة. وركزت الاجتماعات مع بلير على إعادة إعمار غزة وتثبيت وقف إطلاق النار الذي أنهى الاشتباكات مع إسرائيل في العام الماضي. وقد تم تفسير زيارته للسعودية على نطاق واسع في في سياق الجهود التي تبذلها المملكة لخلق جبهة سنية لمواجهة تزايد نفوذ إيران في المنطقة، لا سيما في أعقاب الاتفاق النووي. أما سبب مخاطرة مسؤولي «حماس» بالارتباط بمثل هذا البرنامج، فقد تعكس الزيارة الانقسامات الداخلية القائمة داخل الحركة، كما هو مبين أدناه. وكان الاجتماع مع لافروف، الذي انعقد على هامش زيارته لقطر، مجرد استمرار للعلاقات الروسية مع «حماس». أما تركيا فهي من الداعمين لـ «حماس» منذ فترة طويلة وترحّب بشكل روتيني بكبار مسؤولي الجماعة كضيوف ومقيمين.
إن هذه النشاطات لا تعكس بالضرورة أيضاً وجود جبهة موحدة في«حماس»، حيث تحاول الحركة تصوير حدوث تحسّن لا لبس فيه في علاقاتها الدولية. وأحد أسباب ذلك، هو أن مبادرات بلير تأتي مراراً وتكراراً ضد المعارضة المصرية القوية لأي شيء من شأنه أن يجلب الفائدة لـ «حماس» نظراً لتدخل الحركة المستمر في شؤون القاهرة. كما واجهت هذه النشاطات مقاومة داخلية بسبب خلافات قوية داخل «حماس» بشأن العديد من جوانب إعادة إعمار غزة، من بينها دور السلطة الفلسطينية ومدى القيود التي ستُفرض على «حماس» خلال العملية.
ثانياً، إن الوفد الذي زار السعودية لم يشمل على الأخص أي عضو قريب من الجناح العسكري لـ «حماس» الذي يتمتع بتأثير كبير في غزة، ولم يخلو من نصيبه العادل من الأعضاء الذين يحطّون من ذلك المعسكر. بالإضافة إلى ذلك، قلل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من أهمية الزيارة.
ثالثاً، جاءت الاجتماعات في تركيا وسط أنباء عن أن أنقرة طلبت مؤخراً من صالح العاروري – شخصية كبيرة في «حماس» مرتبطة بأنشطة إرهابية في الضفة الغربية – مغادرة البلاد، حيث كان يقيم فيها منذ أن أفرجت عنه إسرائيل من السجن عام 2010. ولم يكن نفي «حماس» لهذه التقارير قاطعاً، كما أن المسؤولين الأتراك كانوا قد صرّحوا، دون أن يؤكدوا طرد العاروري، بأنه لم يعد موجوداً في تركيا.
رابعاً، يأتي الإعلان عن زيارة الزهار المزعومة لطهران بعد فترة وجيزة من إلغاء السلطات الإيرانية زيارة مقررة لمشعل. وإذا تحققت زيارة الزهار، فإنها ستضيف المزيد من المصداقية للتقارير عن تزايد الخلاف بين الجناح العسكري للجماعة في غزة والقيادة في الشتات.
على الرغم من هذه البرامج المتميزة، إلا ثمة قاسم مشترك واحد مهم يجمع بين هذه الزيارات الأخيرة وهو أنه: يتم الإعلان عنها جهاراً و تعمل «حماس» على تضخيمها، إلى درجة غالباً ما تتجاوز ما تبرره الأهمية الموضوعية لهذه الزيارات. وتسعى الحركة إلى تحويل هذه الأنشطة إلى انتصار في مجال العلاقات العامة، وذلك تمشياً مع استراتيجيتها الطويلة الأمد المتمثلة في طرح نفسها كمحاور مقبول على الصعيد الدولي. بيد، فيما عدا أنصار «حماس» التقليديين في قطر وتركيا، لم تسفر هذه الجهود إلى حد كبير في تحقيق أي انخراط دولي حتى الآن باستثناء عقد اجتماعات مع أكاديميين أو نواب غربيين في بعض الأحيان.
ومع ذلك، تعْرِض الحركة هذه السلسلة المتوالية من الأحداث الدبلوماسية بوصفها إنجازاً كبيراً. وليس هناك شك بأن «حماس» ستستخدمها لبناء زخم وراء سعيها للحصول على الشرعية الدولية مع تجنب التدابير المطلوبة من قبل المجتمع الدولي وهي: الاعتراف بإسرائيل، ونبذ الإرهاب، والالتزام بالاتفاقات السابقة.
أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، فقد التزمت كلتيهما الصمت إلى حد كبير حول هذه التطورات، باستثناء عدد قليل من البيانات الغامضة الصياغة من قبل مسؤولين وناطقين باسمهما من المستوى المتوسط ، التي حذرت من “الذرائع لفصل غزة عن الضفة الغربية.” ومما يبعث على القلق، أن هذه الجهود التي تقوم بها «حماس» المفعمة بالحيوية تتزامن مع غياب ملحوظ لدبلوماسية نشطة رفيعة المستوى من قبل المسؤولين في السلطة الفلسطينية. وعلى وجه الخصوص، وصلت علاقات السلطة الفلسطينية مع الحلفاء العرب المعتدلين التقليديين إلى نقطة متدنّية، وتتراوح ما بين فاترة لمعادية بصورة علنية.
ومن المؤكد أن «حماس» ليست أقرب إلى انفراجة في القضايا التي تهم حقاً: مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، أو الدول العربية الرئيسية مثل مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة. ولكن دون ظهور ردة فعل دولية استباقية وبناءة، وتواصل حيوي من قبل السلطة الفلسطينية نحو الشركاء الأجانب، قد تكون «حماس» في طريقها الى تحقيق انجازات دبلوماسية صغيرة إضافية لكنها مهمة على نحو متراكم.