لماذا تغيّر سيف القذافي…؟؟؟
بعد انهيار جماهيرية القذافي العظمى صدر أكثر من كتاب عن مرحلة «الكتاب الأخضر»، الذي كانت تجوَّد مقاطع منه قبل نشرات الأخبار. الموجز معفى. أحد الكتب البارزة وضعه وزير خارجية القائد الدكتور عبد الرحمن شلقم، وقد عرضته لجنابكم في حينه «رجال حول القذافي» والثاني للروائي الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه، وللأسف لم أستطع العثور عليه في بيروت. وهذا كتاب «سيف القذافي» (دار مدارك) للدكتور محمد عبد المطلب الهوني، الذي كان معارضًا للأب، ومستشارًا مقربًا للابن، الذي خُيل للعالم لسنوات، أنه الحل الوسط والعاقل بين جنون الجماهيرية وتوحش سقوطها.
كان محمد عبد المطلب واحدًا من بضعة مثقفين ورجال دولة شكلت لمرحلة دائرة الاستشارة حول سيف، بينهم الدكتور محمود جبريل، الذي كنت آمل أن تلتم ليبيا على يديه بعد حفلة الجنون التي مارسها القائد والثوار والغرب، والدكتور شكري غانم الذي «توفي» في نهر الدانوب في فيينا، وكان أيضًا من خيرة العقلاء والخبراء. وعندما تعرفت إليه في لندن، قلت له، ضاحكًا: كيف يستطيع رجل مثلك أن يتحمل رجلاً مثله؟ وبدل أن يحيلني على اللجان، ضحك معي.
وفي «سيف القذافي» يقول الدكتور الهوني إنه وشكري غانم وسيف الإسلام، كانوا من ألد خصوم «اللجان الشعبية» التي دمرت مجتمعة، عن جهل وفساد وقسوة ورقاعة، ما لم يدمره القائد. من زمان، لم أقرأ بالعربية، كتابًا سياسيًا صريحًا وممتعًا مثل كتاب الهوني. وفوق ذلك، فهو كتاب شجاع، أو نبيل إذا شئت، وضعه الرجل فيما يقبع سيف الإسلام في سجون ما بعد الثورة التي لا تختلف بشيء عن سجون الفاتح.
ووفقًا للهوني، فإن أكبر المعارك التي خاضها سيف الإسلام كانت معركة الوئام، والإفراج عن 6 آلاف معتقل سياسي سعداء الحظ، لأنهم لم يُدفنوا في سجن أبو سليم ولا اغتيلوا في أوروبا، حيث تواطأت بعض الحكومات مع قتلة العقيد.
يرسم الهوني لسيف الإسلام صورة مختلفة عن أخيه الأكبر محمد، وعن أشقائه الذين غرقوا في الفساد ولم يتورَّعوا عن الجريمة، وكانوا يرون في سلوكه المتواضع خطرًا على القائد وعليهم.. وعندما تعرَّض هنيبعل القذافي وزوجته اللبنانية للمساءلة في سويسرا بعدما اعتديا بالضرب على خادميهما المغربيين، قطع الأب العلاقات مع سويسرا ومنِع السفر منها وإليها، وطالب إيطاليا بضم الجزء الإيطالي منها، وحث على طردها من الأمم المتحدة.
كان هم سيف الإسلام أن يحاصر، بقدر الإمكان، نوبات السخف والجنون في الداخل والخارج. ومن غير يأس. وعندما التقى الأب، الرئيس الروسي بوتين، طلب يد ابنته لسيف الإسلام. فسأله الروسي إن كان سيف قد رآها من قبل أو يعرف شيئًا عنها! في هذا الكتاب الممتع يترك الهوني السؤال الأهم دون جواب: ماذا غيّر سيف الإسلام، ولماذا انقلب على نفسه. غير أنه يقدم لنا أجوبة كثيرة تعوض ذلك. وبكرامة أدبية واضحة. ويقدم رحلة نفسية داخل ابن كاد ألا يشبه أباه.