في رمضان الأخير دعا رئيس مجلس النواب سليم الجبوري ثلة من الإعلاميين إلى إفطار، وكنتُ بين ملبّي الدعوة التي هي في الواقع حيلة سياسية بيضاء (على غرار الكذبة البيضاء) للقاء الإعلاميين والبحث معهم في الشؤون العامة أو إيصال رسالة عبرهم إلى الرأي العام.
مما عرض له السيد الجبوري في اللقاء مخططات الهيئة التي يترأسها لتشريع عدد من القوانين المؤجلة من الدورات البرلمانية السابقة وقوانين جديدة. في مداخلتي القصيرة لفتُّ انتباه رئيس السلطة التشريعية إلى أنه أهمل في حديثه الإشارة الى “أهم استحقاق” يتعيّن أن ينهض به البرلمان في دورته الجديدة بعدما أهملته الدورتان السابقتان، ألا وهو التعديلات الدستورية التي حكم الدستور بوجوب الانتهاء منها وطرحها على الاستفتاء العام في مطلع العام 2007 على أبعد تقدير.
الأمر الجيد أن السيد الجبوري طمنني، وزميلاتي وزملائي الحضور، إلى أن هذا الاستحقاق غير منسي وأن التعديلات التي كانت لجنة برلمانية قد أعدّتها ورفعتها إلى المجلس منذ تسع سنوات، ستُطرح على الدورة الحالية. لكنني الآن وأنا أعيد قراءة ورقة الإصلاحات التي تقدّم بها مجلس النواب إلى جوار ورقة الإصلاحات الحكومية في الحادي عشر من الشهر الحالي، وتلاها السيد الجبوري بنفسه، لم تتضمن أية إشارة إلى هذا الاستحقاق الدستوري الذي يُفترض أنه أصبح غير قابل للتأجيل بعد التطورات الأخيرة ونشوء ظرف سياسي ملائم لتأدية كل الاستحقاقات المؤجلة، وفي مقدمها تعديل الدستور.
البند الثاني عشر من ورقة الإصلاحات البرلمانية اقتصر على المطالبة أو الوعد بـ “المباشرة بتشريع القوانين التي نصّ الدستور على وجوب تشريعها وخصوصاً قانون النفط والغاز وقانون الأحزاب وقانون المحكمة الاتحادية وقانون المعاهدات وقانون مجلس الاتحاد وقانون الحرس الوطني وقانون العفو وقوانين المصالحة الوطنية ومنها قانون الحرس الوطني”… وهكذا فان أمر التعديلات الدستورية غير وارد في الأذهان داخل مجلس النواب بخلاف ما أكده السيد الجبوري في لقاء الإفطار الرمضاني، وهذا قصور فادح وعيب كبير في نمط تفكير الهيئة التشريعية، فالثابت أن الكثير من مشكلاتنا ومن معوقات تطور نظامنا السياسي يرجع إلى وجود دستور أقل ما يقال فيه انه ناقص ومتناقض وملغوم بالمفخخات من الوزن الثقيل، بسبب إعداده وإجازته على عجل من أشخاص، أغلبهم لا علم لهم ولا معرفة بالقانون الدستوري، ولا ممارسة ديمقراطية لهم من قبل أو من بعد.
التعديلات الدستورية استحقاق واجب على الفور وفي الحال كما هو الإصلاح، بل إن هذه التعديلات هي أحد الركنين الأساس للإصلاح إلى جانب إصلاح السلطة القضائية.
دستورنا الناقص والمتناقض والملغوم بالمفخخات هو الذي شكل البيئة المناسبة لتفشي الفساد الإداري والمالي وتفاقمه، والسلطة القضائية التي لم تنجُ هي الأخرى من الفساد كانت الحامية لفساد السلطتين التنفيذية والتشريعية ولانتهاك مبادئ الدستور والتجاوز على أحكامه.
الحركة الاحتجاجية المتواصلة يتعيّن أن تحتفظ لنفسها بأولوية المطالبة بتعديل الدستور الناقص والقاصر وبإصلاح المنظومة القضائية، فمن دون هذا لن يتحقق أي من مطالبنا المشروعة، بل ستُداس هذه المطالب، ونحن معها، تحت أقدام الفاسدين.